كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية ( هل في طور سيناء زيتون؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية ( هل في طور سيناء زيتون؟)
110 0

الوصف

                                                    الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية 

                                                     ( هل في طور سيناء زيتون؟)

اعترضَ الفادي على القرآن، في حديثِه عن شجرةِ الزيتون، التي تَخرجُ من طورِ سَيْناء، واعتبرَ هذا خطأً جغرافياً في القرآن.

والآيةُ التي أَخبرتْ عن ذلك هي قولُ اللهِ: (فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (١٩) وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآكِلِينَ (٢٠)) .

تتحدثُ الآيَتانِ عن بعضِ النّعَمِ التي تَنشأُ عن إِنزالِ الماءِ من السَّماء، ويتنَعَّمُ بها النّاسُ على وجْهِ الأَرض، منها الفواكهُ الكثيرةُ التي يأكلونَ منها،

ومنها جَنّاتُ النخيل وجَنّاتُ الأَعناب. ومن تلك النعمِ شجرةُ الزيتون المباركة، التي تَخرجُ من طورِ سَيْناء،

والتي يُؤْخَذُ منها الزَّيْت، الذي يَصلُحُ أَنْ يكونَ دُهْناً للشَّعَر والجِسْم، ويَصلحُ أَنْ يَكونَ صِبْغاً للآكلين، يَصبغُ به الآكِلونَ طعامَهم، ويَأكلونَه مع الزعتر أَو غَيْرِه.

وخَطّأَ الفادي هذا الكلام، فقال: " ونحنُ نَسأل: لَمْ تشتهرْ صَحراءُ سيناء الجرداءُ بِشَجَرِ الزيتون. أَلم يكن الأَجْدَرُ أَنْ تُذْكَر فلسطينُ بزيتونِها، لا سيناءُ التي من قَحْطِها أَرسلَ اللهُ لبني إِسرائيل فيها المَنَّ من السماء؟

نقول بداية: المرادُ بطورِ سَيْناءَ في الآية شبهُ جزيرةِ سيناءَ المعروفة، وفيها جبلُ الطورِ المعروف، الذي ناجى موسى - صلى الله عليه وسلم - ربَّه عليه.

وذُكرتْ " سَيْناءُ " مَرَّتَيْن في القرآن: المرةُ الأُولى في سورةِ المؤمنون، والمرةُ الثانيةُ في سورة التين، في قول الله - عز وجل -: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ (١) وَطُورِ سِينِينَ (٢) وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣))

و" سَيْناءُ " الآنَ صحراءٌ في معظمِها، وفيها مناطقُ زراعيةٌ خَصْبَة، وفي هذه المناطقِ الزراعيةِ أَشجارُ زيتونٍ جيدة، فزراعةُ الزيتونِ ناجحةٌ فيها.

واعتراضُ الفادي على الآية مردود، لوجودِ أَشجارِ زيتونٍ حتى الآنَ في الأَراضي الزراعيةِ في سيناء، ووجودُ هذه الأَشجارِ حتى الآنَ يدل على أَنَّ منطقةَ سَيْناءَ كانتْ منطقةَ زَيْتونٍ في الماضي البعيد، يوم كانَتْ أَراضيها خصبة، قبلَ أَنْ تتحوَّل إِلى صحراء!.والدليلُ على هذا كلماتُ الآيةِ نفسِها، حيثُ قال تعالى: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ) .. إِنَّ كلمةَ " شجرةً " منصوبة، لأَنها معطوفة على " جَناتٍ " قبلَها، التي هي مفعول به لفعْلِ " أَنشانا ".

في قوله: (فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ) والتقديرُ: أَنشانا لكم بالماءِ جناتٍ من نخيل، وأَنشأنا لكم به شجرةً خارجةً من طورِ سَيْناء!.

وإِنشاءُ الشيءِ إِيجادُه من العَدَمِ أَوَّل مَرَّة. واختيارُ فعْلِ " أَنشأَ " في الآيةِ مقصود، لأَنه يشيرُ إِلى أَول مَرَّةٍ في التاريخ، ظهرتْ فيها جناتُ النّخيل والأَعناب وأَشجارِ الزيتون، ولعلَّ إِنشاءَ أَشجارِ الزيتون على الأَرضِ كانَ قبلَ خَلْقِ آدمَ - صلى الله عليه وسلم - بفترةٍ طويلة. ولا يَعلمُ إِلّا اللهُ كيفَ كانَتْ " سيناء " عندما أُهبطَ آدمُ إِلى الأَرض!!.

فالآيةُ تتحدثُ عن إِنشاءِ شجرةِ الزيتونِ لأَوَّل مَرَّة، وليس عن المناطقِ والأَراضي التي تَنبتُ فيها شجرةُ الزيتونِ في هذا الزمان.

ثم إِنَ حرفَ الجَرِّ " مِنْ " في الآيةِ يُقَرِّرُ هذا المعنى، فهو هنا للابتداء، والمرادُ به الابتداءُ الزماني.

والمعنى: كان ابتداءُ إِنشاءِ وإِخراجِ شجرةِ الزيتون في منطقة سيناء: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ) .

وهذا الابتداءُ كانَ قبلَ آدمَ - صلى الله عليه وسلم -فاعتراضُ الفادي على الآيةِ دليلُ جهلِه وغبائِه، لأَنه " أَسيرُ " هذا الزمان، الذي رأيْنا فيه سيناءَ صحراءَ جرداء.

حتى الكتابُ المقَدَّسُ الذي يؤمنُ به القِسّيسُ الفادي يُخبرُ أَنَّ الزيتونَ كان منتشراً مَعْروفاً من قديمِ الزمان، وذَكَرَ الأَحبارُ في سِفْرِ التكوينِ من العهدِ القديم أَنَّ الزيتونَ كان مَعْروفاً قبل الطوفان، وزَعَموا أَنه بينما كان نوحٌ - صلى الله عليه وسلم - في السفينة، والطوفانُ قد غَطّى كُلَّ شيء حتى قمم الجبال، أَرادَ أَنْ يَعرفَ ماذا جرى خارجَ السفينة، فأَطلقَ الحمامةَ من السفينة، فعادَتْ لأَنها لم تجدْ مكاناً تقفُ عليه، وبعد فترةٍ أَطلقَ الحمامةَ مرةً ثانية، فعادَتْ وفي فمِها " غُصْنُ زيتون "، ومن يومِها سُمِّيت الحمامةُ حمامةَ السلام، وصارَ شعارُ السلامِ الحمامةَ وغصنَ الزيتون!! فعودةُ الحمامةِ زمنَ نوحٍ - صلى الله عليه وسلم - ومعها غصنُ زيتونٍ دليل على أَنَّ الزيتونَ كان معروفاً زمنَ نوحٍ - صلى الله عليه وسلم 

إِنَّ قولَه تعالى: (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ) يُشيرُ إِلى ابتداءِ إِنشاءِ الزيتونِ في التاريخِ البعيد، وأَنَّ بدايةَ هذه الشجرة كانَتْ عندَ طورِ سيناء، ثم انتشرَتْ من هناكَ إِلى باقي بلدانِ حوضِ البحرِ الأَبيضِ المتوسط، في شمالِه وجنوبِه وشرقِه! وهذا يُشيرُ إِلى أَنَّ " سَيْناء " كانتْ أَراضِيَ زراعيةً خصبة، ثم صارتْ صحراءَ جرداءَ بعد ذلك! ولعلَّ تَحَولَها إِلى صحراءَ كان في زمنِ تدميرِ قومِ لوطٍ - عليه السلام -، الذي نشأَ عنه جيولوجياً حفرةُ " الانهدام " الكبير، الذي يبدأُ من شمالِ سورية، مروراً بسهْلِ الغاب، ونُزولاً إِلى الغور، ثم البحرِ الميت، ثم وادي عربة، فالبحر الأحمر، حتى مضيقِ بابِ المندب والقرنِ الإفريقي!!.

وهناك صلةٌ وثيقةٌ بين كونِ شجرةِ الزيتون المباركة، تَنشأُ وتَخرجُ لأَوَّلِ مرةٍ من أَرضِ سيناءَ، وجبلِ الطور المقدَّسِ فيها، وبجانبِه وادي طُوى المقَدَّس!!.