كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية(ما المراد بالحروف المقطعة؟)

الوصف
الفصل التاسع نقض المطاعن الفنية
(ما المراد بالحروف المقطعة؟)
اعترضَ الفادي المفترِي على القرآن، لإِيرادِه الحروفَ المَقطَّعَةَ في بدايةِ بعضِ سورهِ، وذَكَرَ اعتراضَه تحتَ عنوانٍ قبيح، هو " الكلامُ العاطِل " أَيْ أَنَّ في القرآنِ كَلاماً عاطِلاً، وهذه صفةٌ مرذولةٌ، يوصَفُ بها الشيءُ التافهُ الساقط، ولقد أَرادَ المجرمُ بهذا العنوانِ شَتْمَ القرآنِ شَتْماً سوقيّاً بَذيئاً!!.
ومعلومٌ أَنَّ السورَ المفتتحة بالحروفِ المقطَّعَةِ تسع وعشرون سورة، على عددِ حروفِ الهجاءِ في اللغةِ العربية.
والحروفُ المذكورة فيها هي:
- (الم) : في سور: البقرة وآل عمران والعنكبوت والروم ولقمان والسجدة.
- (الر) : في سور: يونس وهود ويوسف وِإبراهيم والحجر.
- (حم) : في سور: غافر وفصلت والزخرف والدخان والجاثية والأحقاف.
- (طسم) : في سورتي: الشعراء والقصص.
- وسورةٌ واحدةٌ لكلٍّ مما يلي: (المص) : سورة الأعراف.
و (المر) : - سورة الرعد.
و (كهيعص) : سورة مريم.
و (طه) : سورة طه.
و (طس) : سورة النمل.
و (يسَ) : سورة يس.
و (حم عَسق) : سورة الشورى.
و (ص) : سورة صَ.
و (ق) : سورة قَ.
و (ق) : سورة قَ.
و (ن) : سورة القلم.
وقالَ الفادي المفترِي في بدايةِ اعتراضِه: " جاءَ في فواتحِ تسعٍ وعشرين سورة بالقرآن حروفٌ عاطِلَة، لا يُفْهَمُ معناها! ".
وبعدما ذَكَرَ أَسماءَ تلك السور قال: " ونحنُ نسأل: إِنْ كانتْ هذه الحروفُ لا يعلمُها إِلّا الله كما يَقولون، فما فائدتُها لنا؟ إِن اللهَ لا يوحي إِلّا بما يُفيد، فكلامُ الله بلاغَ وبَيانٌ وهدى للناس "
وللردّ عليه، نقررُ أنه لا يوجَدُ في القرآنِ حروفٌ أَو كلمات أَو جُمَل عاطلة، لا معنى لها، أو لا يمكنُ أَنْ يُفْهَمَ معناها، كما أَنه لا توجَدُ في القرآن حروفٌ أَو كلماتٌ زائدة.
وكلُّ حرفٍ في القرآن له معنى ووظيفة، ويُؤدّي معناه ضمنَ السياقِ الذي وَرَدَ فيه، وإِذا حُذِفَ اختلَّ المعْنى، وضعُفَ التركيبُ، ونَقَصت الدِّلالة!!.
وهذا معناهُ أَنَ الحروفَ المقطَّعَةَ في افتتاحياتِ بعضِ السور ليستْ عاطلةً أَو مهملةً، أَو ليس لها معنى ودلالة، أو ليس لورودها على هذه الصورة حكمةٌ أَو فائدة.
ونعترفُ أَنَّ العلماءَ والمفسرين اخْتَلَفوا في نظرِهم إِلى الحروفِ المقطَّعَة، وانقسموا في ذلك إِلى فريقين: - الفريق الأول: لم يَخوضوا فيها، ولم يُحاوِلوا تفسيرَها، أَو بيانَ مَعْناها والحكمةِ منها، وقالوا: هي مما استَأثَرَ اللهُ بعلمِه، فلا يعلمُها إِلّا هو، ونحنُ لا نخوضُ فيها. - الفريق الثاني: وَقَفوا أَمامَها، وتأَمَّلوا فيها، وحاولوا بيانَ معناها، والحكمة من ورودِها!.
والراجحُ هو ما ذَهَبَ إِليه الفريقُ الثاني، لأَنَّ الله َ أَوجبَ علينا تَدَبُّرَ القرآن، وفَهْمَ معانيه، ولم يَجعلْ فيه ما ليسَ له معنى، أَو ما لا يمكنُ أَنْ نفهمَه، فكل ما في القرآنِ له معنى، وكلُّ ما فيه يمكنُ أَنْ نفهمَه.
والراجحُ أَن افتتاحَ بعضِ السورِ القرآنية بالحروفِ المقطّعَةِ للتَحدي والإِعجاز، وإِثباتِ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله. وبيانُ هذا، أَنه لما سمعَ المشركونَ القرآنَ من رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - رَفَضوا الاعترافَ بأَنه من عندِ الله، واتَّهموا النبي - صلى الله عليه وسلم - بتأليفه، ثم ادَّعوا بأَنَّ عندهم القدرةَ على الإِتيانِ بمثْلِه لو أَرادوا.
فتحدَّاهم الله، وطَلَبَ منهم الإِتيانَ بمثْلِه، أَو بعشْرِ سورٍ مثْلِه، أَو بسورةٍ مثلِه ومن بابِ المبالغةِ في التحدي افتتحَ بعضَ السورِ بالحروف المقَطَّعَة، باعتبارِ الحروفِ هي المادَّة الأولية للكلامِ العَرَبي، لأَنَّ الكلمةَ مكوَّنَة من تلك
الحروفِ البنائية.
وكأَنَه لي قولُ لهم: القرآنُ بلسانٍ عربيٍّ مُبين، مكوَّن من هذهِ الحروف، ولغتُكم العربيةُ مكوَّنَة من هذه الحروف، وأَنتم تُحسنونَ الكلامَ بهذهِ اللغة وتَزعمونَ أَنَّ محمداً - صلى الله عليه وسلم - أَلَّفَ القرآنَ من هذه الأَحرف.
فخُذوا هذه الأَحرفَ مفكوكَةً مَفْرودَة، وصُوغوا منها سورةً أَو عَشْرَ سُوَرٍ مثلَ هذا القرآن!
فإِن استطعْتُم ذلك ثَبَتَ أَن القرآنَ من تأليفِ محمد - صلى الله عليه وسلم - وإنْ لم تَستطيعوا وعَجَزْتُم عن الإِتيانِ بالمطلوب ثبتَ أَنَّ القرآنَ كلامُ الله، وأَنَّ محَمَّداً هو رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، ووجبَ عليكم تصديقُه والدخولُ في دينه!.
والدليلُ على أَنَّ هذا هو الرأيُ الراجح، أَنَّ الحروفَ المقطَّعَة الواردةَ في بدايةِ بعضِ السور أَربعةَ عَشَرَ حرفاً.
بعدَ إِسقاطِ المكرر منها، وأَنَّ بعضَهم جمعَها في جملةٍ مفيدةٍ ذاتِ دلَالة، وهي: نَصّ حَكيمٌ قاطِعٌ لَهُ سِرٌّ.
ومما يُشيرُ إِلى هذه الدلالةِ والحكمةِ والنتيجةِ من ورودِ الحروفِ المقطعةِ في افتتاحياتِ بعضِ السور، ورودُ آيةِ التحدي في سورةِ هود، وهي مفتتحةٌ بقوله تعالى: (الر) .
وقالَ اللهُ فيها يتحدّى المشركين: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٣) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٤)) .