كتاب المفردات في غريب القرآن - كتاب الألف (أمد - أمر )

كتاب المفردات في غريب القرآن - كتاب الألف (أمد - أمر )

الوصف

                                                    كتاب الألف 

                                                   (أمد - أمر)

[أمد]

قال تعالى: (تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) [آل عمران/ ٣٠] . والأَمَد والأبد يتقاربان، لكن الأبد عبارة عن مدّة الزمان التي ليس لها حدّ محدود، ولا يتقيد، لا يقال: أبد كذا.

والأَمَدُ: مدّة لها حدّ مجهول إذا أطلق، وقد ينحصر نحو أن يقال: أمد كذا، كما يقال: زمان كذا، والفرق بين الزمان والأمد أنّ الأمد يقال باعتبار الغاية، والزمان عامّ في المبدأ والغاية، ولذلك قال بعضهم: المدى والأمد يتقاربان.

[أمر]

الأَمْرُ: الشأن، وجمعه أُمُور، ومصدر أمرته:

إذا كلّفته أن يفعل شيئا، وهو لفظ عام للأفعال والأقوال كلها، وعلى ذلك قوله تعالى: (إِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ) [هود/ ١٢٣] ، وقال: قُلْ: إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ، يَقُولُونَ: (لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ) [آل عمران/ ١٥٤] ، (أَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) [البقرة/ ٢٧٥] ويقال للإبداع: أمر، نحو: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ) [الأعراف/ ٥٤] ، ويختص ذلك بالله تعالى دون الخلائق وقد حمل على ذلك قوله تعالى: (وَأَوْحى فِي كُلِّ سَماءٍ أَمْرَها) [فصلت/ ١٢] وعلى ذلك حمل الحكماء قوله :

قُلِ: (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) [الإسراء/ ٨٥] أي: من إبداعه، وقوله: (إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [النحل/ ٤٠] فإشارة إلى إبداعه، وعبّر عنه بأقصر لفظة، وأبلغ ما يتقدّم فيه فيما بيننا بفعل الشيء، وعلى ذلك قوله: (وَما أَمْرُنا إِلَّا واحِدَةٌ) [القمر/ ٥٠] ، فعبّر عن سرعة إيجاده بأسرع ما يدركه وهمنا.

والأمر: التقدم بالشيء سواء كان ذلك بقولهم: افعل وليفعل، أو كان ذلك بلفظ خبر نحو: (وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ) [البقرة/ ٢٢٨] ، أو كان بإشارة أو غير ذلك، ألا ترى أنّه قد سمّى ما رأى إبراهيم في المنام من ذبح ابنه أمرا حيث قال: (إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ) [الصافات/ ١٠٢] فسمّى ما رآه في المنام من تعاطي الذبح أمرا.

وقوله تعالى: (وَما أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ) [هود/ ٩٧] فعامّ في أقواله وأفعاله، وقوله: (أَتى أَمْرُ اللَّهِ) [النحل/ ١] إشارة إلى القيامة، فذكره بأعمّ الألفاظ، وقوله: (بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً) [يوسف/ ١٨] أي:

ما تأمر النفس الأمّارة بالسوء. وقيل: أَمِرَ القومُ: كثروا، وذلك لأنّ القوم إذا كثروا صاروا ذا أمير من حيث إنهم لا بدّ لهم من سائس يسوسهم، ولذلك قال الشاعر: لا يصلح النّاس فوضى لا سراة لهم

وقوله تعالى: (أَمَرْنا مُتْرَفِيها) [الإسراء/ ١٦] أي: أمرناهم بالطاعة، وقيل: معناه: كثّرناهم. 

وقال أبو عمرو: لا يقال: أمرت بالتخفيف في معنى كثّرت، وإنما يقال: أمّرت وآمرت.

وقال أبو عبيدة: قد يقال: أمرت بالتخفيف نحو: «خير المال مهرة مأمورة وسكّة مأبورة» وفعله: أمرت.

وقرئ: (أَمَّرْنَا)  أي: جعلناهم أمراء، وكثرة الأمراء في القرية الواحدة سبب لوقوع هلاكهم، ولذلك قيل: لا خير في كثرة الأمراء، وعلى هذا حمل قوله تعالى: (وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها) [الأنعام/ ١٢٣] ، وقرئ: (آمَرْنَا) بمعنى: أكثرنا.

والائْتِمَارُ: قبول الأمر، ويقال للتشاور: ائتمار لقبول بعضهم أمر بعض فيما أشار به. قال تعالى: (إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ) [القصص/ ٢٠] . قال الشاعر: وآمرت نفسي أيّ أمريّ أفعل 

وقوله تعالى: (لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إِمْراً) [الكهف/ ٧١] أي: منكرا، من قولهم: أَمِرَ الأَمْرُ، أي: كَبُرَ وكَثُرَ كقولهم: استفحل الأمر.

وقوله: (وَأُولِي الْأَمْرِ) [النساء/ ٥٩] قيل: عنى الأمراء في زمن النبيّ عليه الصلاة والسلام.

وقيل: الأئمة من أهل البيت ، وقيل: الآمرون بالمعروف، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: هم الفقهاء وأهل الدين المطيعون لله.

وكل هذه الأقوال صحيحة، ووجه ذلك: أنّ أولي الأمر الذين بهم يرتدع الناس أربعة:

الأنبياء، وحكمهم على ظاهر العامة والخاصة وعلى بواطنهم، والولاة، وحكمهم على ظاهر الكافّة دون باطنهم، والحكماء، وحكمهم على باطن الخاصة دون الظاهر، والوعظة، وحكمهم على بواطن العامة دون ظواهرهم.