ماذا يحب الله ورسوله-رضي الله عنهم ورضوا عنه (يرضى الله عن الراضي بالبلاء)

ماذا يحب الله ورسوله-رضي الله عنهم ورضوا عنه (يرضى الله عن الراضي بالبلاء)
396 0

الوصف

                                                   رضي الله عنهم ورضوا عنه
                                                      يرضى الله عن الراضي بالبلاء

يرضى الله عن الراضي بالبلاء

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قومًا ابتلاهم، فمَن رضي فله الرضى، ومَن سَخِطَ فله السخط".

الراضي بالبلاء:
الراضي بالبلاء هو العبد الذي يحبه الله سبحانه فيختبره بالمحن والمصائب فيصبر ويسترجع ويحتسب ذلك عن الله ويرضى بما ابتلاه الله به فيكون له الرضى وجزيل الثواب على قدر مصيبته. وابتلاء الله – عزَّ وجلَّ – عبده في الدنيا ليس من سخطه عليه بل إما لدفع مكروه أو لكفارة ذنوب أو لرفع منزلة، فإذا تلقى ذلك بالرضا تم له المراد. فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم – حتى الشوكة يشاكها – إلا كفَّر الله بها من خطاياه"؛

وقال صلى الله عليه وسلم:

"ما من مسلم يصيبه أذى إلا حاتَّ الله عنه خطاياه كما تحاتّ ورق الشجر".

وفي هذه الأحاديث بشارة عظيمة لكل مؤمن، لأن الآدمي لا ينفك غالبًا من ألم بسبب مرض أو هم أو نحو ذلك مما ذكر، وأن الأمراض والأوجاع والآلام – بدنية كانت أم قلبية – تكفر ذنوب من تقع له.

وقال صلى الله عليه وسلم:

"يقول الله عزَّ وجلَّ: مَن أذهبت حبيبتيه فصبر واحتسب، لم أرض له ثوابًا دون الجنة".

الحبيبتان هما العينان؛ لأنهما أحب أعضاء الإنسان إليه، لما يحصل له بفقدهما من الأسف على فوات رؤية ما يريد رؤيته من خير فيسر به، أو شر فيجتنبه.. فيصبر مستحضرًا ما وعد الله به الصابر من الثواب، لا أن يصبر مجردًا عن ذلك؛ فيعوضه الله – عزَّ وجلَّ – بالجنة وهي أعظم العوض؛ لأن الالتذاذ بالبصر يفنى بفناء الدنيا والالتذاذ بالجنة باق ببقائها..

والصبر إنما يكون عند الصدمة الأولى كما قال عليه الصلاة والسلام:

"إنما الصبر عند الصدمة الأولى"،

وقال صلى الله عليه وسلم:

"يقول الله سبحانه: ابن آدم! إن صبرت واحتسبت عند الصدمة الأولى، لم أرض لك ثوابًا دون الجنة"،

فأشار إلى أن الصبر الشاق على النفس الذي يعظم الثواب عليه هو ما يكون في أول وقوع البلاء ومفاجأة المصيبة فيفوض ويسلم فيدل ذلك على قوة القلب وتثبته في مقام الصبر، بخلاف ما بعد ذلك فإنه على الأيام يسلو، وإذا بردت حرارة المصيبة فكل أحد يصبر إذ ذاك؛ ومتى تضجر وتقلق في أول وهلة ثم يئس فيصبر لا يكون حصل المقصود؛ ولذلك قيل: يجب على كل عاقل أن يلتزم عند المصيبة ما لا بدَّ للأحمق منه بعد ثلاث. وقيل: إن المرء لا يؤجر على المصيبة؛ لأنها ليست من صنعه، وإنما يؤجر على حسن تثبته وجميل صبره. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

"إذا مات ولد العبد قال الله لملائكته: قبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: قبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: ماذا قال عبدي؟ فيقولون: حمدك واسترجع، فيقول الله: ابنوا لعبدي بيتًا في الجنة وسموه: بيت الحمد".

قال الله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) فالمؤمن إذا سلم لأمر الله واسترجع، أي؛ قال: إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون؛ كُتب له ثلاث خصال من الخير: الصلاة من الله، والرحمة، وتحقيق سبل الهدى.

وزيادة على الصبر والاحتساب والاسترجاع عند الصدمة الأولى فقد علَّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ندعو الله تعالى ونسأله الأجر والثواب والتعويض بخير من المصيبة التي وقعت، فقال عليه الصلاة والسلام:

"ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرًا منها إلا أخلف الله له خيرًا منها".

كذلك علَّمنا صلى الله عليه وسلم أنه إذا رأينا مبتلى أن نحمد الله على المعافاة، فقال صلى الله عليه وسلم:

"مَن رأى مبتلى فقال: الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاك به، وفضَّلني على كثير ممن خلق تفضيلًا، لم يصبه ذلك البلاء".

فالإنسان في هذه الدار معرض دائمًا للبلاء والفتنة – للاختبار والامتحان – ما دام فيه عرق ينبض، (وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ، بالمصائب وبالنعم، بالشدة والرخاء والصحة والسقم والغنى والفقر والحلال والحرام والطاعات والمعصية والهدى والضلال.. فهذه الدار هي دار امتحان لتحديد الدرجات والمراتب التي سيكون عليها الناس في الآخرة، وعند الامتحان يُكرم المرء أو يهان. فليس من السهل الحصول على مرتبة الإيمان بكلمة تقال باللسان، فلا بد من امتحان مَن يدَّعي الإيمان، ومصداق ذلك قوله تعالى: (أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لاَ يُفْتَنُونَ (2) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)؛وقوله تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ) ، وسبب الابتلاء أيضًا، كما قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) ؛ فالابتلاء امتحان للعبد أيرضى أم يسخط؟ أيصبر أم يجزع؟ أيشكر أم يكفر؟ كما قال تعالى حكاية عن سليمان عليه السلام: (قَالَ هَذَا مِن فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ)

وابتلاء الله للعبد ليس الغرض منه أن يعلم الله – جل جلاله – حقيقة حال العبد، فالله عالم بما كان، وما يكون، وما هو كائن لا تخفى عليه خافية؛ بل غرضه إظهار علمه للناس حتى يصبح معلومًا لديهم؛ لأنه إنما يجازيهم بأعمالهم لا بعلمه القديم عليهم. وأيضًا لتقام على العبد الحجة أنه من المؤمنين أم من الكافرين، من الصادقين أم من الكاذبين.

فلا أحد ينجو من الابتلاء ولو كان أحد ناجيًا منه لنجا الرسل والأنبياء وبالأخص أفضلهم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد قُذف بالحجارة وأدميت قدماه وشُجَّ وجهه وكُسر سنه واتُهِمَ بأنه شاعر ساحر مجنون وأُخرِج من بلده مكة وغير ذلك من البلاء؛ فكان خير الصابرين وخير المسترجعين وخير الشاكرين وخير المحتسبين صلوات الله وسلامه عليه.

قال سعد: يا رسول الله، أي الناس أشد بلاء؟ قال:

"الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل؛ يُبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبًا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة".

فالسر فيه إن البلاء في مقابلة النعمة، فمن كانت نعمة الله عليه أكثر كان بلاؤه أشد.. ومن كان أشد بلاء كان أشد تضرعًا والتجاء إلى الله تعالى.. قال ابن الجوزي: في الحديث دلالة على أن القوي يحمل ما حمل، والضعيف يرفق به إلا أنه كلما قويت المعرفة بالمبتلى هان عليه البلاء، ومنهم من ينظر إلى أجر البلاء فيهون عليه البلاء، وأعلى من ذلك درجة من يرى أن هذا تصرف المالك في ملكه فيسلم ولا يعترض، وأرفع منه من شغلته المحبة عن طلب رفع البلاء، وأنهى المراتب من يتلذذ به؛ لأنه عن اختياره نشأ، والله أعلم.

ومهما عظم بلاء الدنيا فهو لا شيء بالنسبة إلى غمسة واحدة في الجنة، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه في يوم القيامة:

"يؤتى بأشد المؤمنين ضرًا وبلاء. فيقال: اغمسوه غمسة في الجنة. فيُغمس فيها غمسة. فيقال له: أي فلان! هل أصابك ضر قط أو بلاء؟ فيقول: ما أصابني قط ضر ولا بلاء"؛

ولهذا

"يود أهل العافية يوم القيامة حين يُعطى أهل البلاء الثواب لو أن جلودهم كانت قُرضت في الدنيا بالمقاريض".

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلًا) .