ماذا يحب الله ورسوله-مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس (يحب الله علي بن أبي طالب)

الوصف
مَن يحبه اللهُ ومَن يبغضه من الناس
يحب الله علي بن أبي طالب
يحب الله علي بن أبي طالب
عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر:
"لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله".
قال: فبات الناس يدوكون ليلتهم: أيهم يُعطاها؟ فلما أصبح الناس غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يرجو أن يُعطاها، فقال: "أين علي بن أبي طالب؟" فقيل: هو يا رسول الله يشتكي عينيه. قال: "فأرسلوا إليه". فأتي به فبصق رسول الله صلى الله عليه وسلم في عينيه ودعا له فبرأ حتى كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية. فقال علي: يا رسول الله، أقاتلهم حتى يكونوا مثلنا. فقال:
"انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام، وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله فيه، فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من أن يكون لك حمر النعم".
هو علي بن أبي طالب بن عبد المطال بن هاشم، القرشي الهاشمي، أبو الحسن والحسن، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم. وُلد قبل البعثة بعشر سنين، وكان قد رباه النبي صلى الله عليه وسلم من صغره، وزوَّجه ابنة فاطمة الزهراء، ولازم رسول الله صلى الله عليه وسلم من صغره فلم يفارقه إلى أن مات وهو عنه راض. وهو من العشرة المبشرين بالجنة، وأحد الستة أصحاب الشورى، ورابع الخلفاء الراشدين، بعد أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم أجمعين.
لقد كان علي بن أبي طالب أو ذكر من الغلمان آمن برسول الله صلى الله عليه وسلم وصلَّى معه وصدَّق بما جاءه من الله تعالى وهو يومئذ ابن عشر سنين، وقيل غير ذلك. وكان مما أنعم الله به على علي رضي الله عنه أنه كان في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الإسلام. وعندما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة أمر عليًا أن يتخلف بعده بمكة، حتى يؤدي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع التي كانت عنده للناس. وأقام علي رضي الله عنه بمكة ثلاث ليال وأيامها، حتى أدَّى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الودائع، حتى إذا فرغ منها، لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة.
شهد علي وقعة بدر وكانت له اليد البيضاء فيها، وشهد غزوة أحد وقاتل قتالًا شديدًا، وقتل خلقًا كثيرًا من المشركين، وشهد يوم الخندق فقتل يومئذ فارس العرب، وأحد شجعانهم المشاهير، عمرو العامري. وشهد الحديبية وبيعة الرضوان، وشهد خيبر وكانت له بها مواقف هائلة، ومشاهد طائلة، ومنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"لأعطين هذه الراية غدًا رجلًا يفتح الله على يديه، يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله"،
ومنها أنه قتل مرحبا فارس يهود وشجعانهم. وشهد عمرة القضاء وفيها قال له النبي صلى الله عليه وسلم:
"أنت مني، وأنا منك".
وشهد الفتح وحنينًا والطائف، وقاتل في هذه المشاهد قتالًا كثيرًا، واعتمر من الجعرانة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تبوك استخلفه على المدينة، فقال: أتخلفني في الصبيان والنساء؟ فقال صلى الله عليه وسلم:
"أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى".
وقد سمَّاه النبي صلى الله عليه وسلم أبا تراب حين جاءه إلى المسجد فوجده نائمًا وقد لصق التراب بظهره فجعل يمسح التراب عن ظهره فيقول صلى الله عليه وسلم:
"اجلس يا أبا تراب".
وما كان له اسم أحب إلى علي منه. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من كنت مولاه فعلي مولاه"،
وقال علي: لقد عهد إليَّ النبي الأمي صلى الله عليه وسلم
"أنه لا يحبك إلا مؤمن، ولا يبغضك إلا منافق".
بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم أميرًا وحاكمًا على اليمن، ومعه خالد بن الوليد، ثم وافى رسول الله صلى الله عليه وسلم عام حجة الوداع، إلى مكة، وساق معه هديًا، وأهلَّ كإهلال النبي صلى الله عليه وسلم، فأشركه في هديه، واستمر على إحرامه، ونحرا هديهما بعد فراغ نسكهما.
ولما مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له العباس: سل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن الأمر بعده؟ فقال: والله لا أسأله فإنه إن منعناها لا يعطيناها الناس بعده أبدًا، والأحاديث الصحيحة الصريحة دالة على أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يوص إليه ولا إلى غيره بالخلافة، بل لوَّح بذكر الصِّدِّيق، وأشار إشارة مفهمة ظاهرة جدًا إليه. وأما الافتراء بأنه صلى الله عليه وسلم أوصى إلى علي بالخلافة، فكذب وبهت وافتراء عظيم يلزم منه خطأ كبير، من تخوين الصحابة وممالأتهم بعده على ترك إنفاذ وصيته وإيصالها إلى من أوصى إليه، وصرفهم إياها إلى غيره، لا لمعنى ولا لسبب، وكل مؤمن بالله ورسوله يتحقق أن دين الإسلام هو الحق، يعلم بطلان هذا الافتراء؛ لأن الصحابة كانوا خير الخلق بعد الأنبياء، وهم خير قرون هذه الأمة، التي هي أشرف الأمم بنص القرآن، وإجماع السلف والخلف، في الدنيا والآخرة.
ولما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم كان علي من جملة من غسله وكفنه وولي دفنه. ولما بويع الصِّدِّيق يوم السقيفة كان علي من جملة من بايع بالمسجد. وكان علي بين يدي الصِّدِّيق كغيره من أمراء الصحابة يرى طاعته فرضًا عليه، وأحب الأشياء إليه، ولما توفيت فاطمة رضي الله عنهل بعد ستة أشهر جدَّد علي البيعة مع الصِّدِّيق رضي الله عنهما، فلما توفي الصِّدِّيق وقام عمر في الخلافة بوصية الصِّدِّيق إليه بذلك، كان علي من جملة من بايعه، وكان معه يشاوره في الأمور، فلما طُعن عمر وجعل الأمر شورى في ستة أحدهم علي، ثم خلص منهم بعثمان وعلي، فقُدِّم عثمان على علي، فسمع وأطاع، فلما قُتل عثمان يوم الجمعة لثمان عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمسة وثلاثين على المشهور، عدل الناس إلى علي فبايعوه، وقد امتنع علي من إجابتهم إلى قبول الإمارة حتى تكرر قولهم له وفرَّ منهم إلى حائط بني عمرو بن مبدول، وأغلق بابه فجاء الناس فطرقوا الباب وولجوا عليه، وجاؤُوا معهم بطلحة والزبير، فقالوا له: إن هذا الأمر لا يمكن بقاؤه بلا أمير، ولم يزالوا به حتى أجاب.
كان أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قد تنغصت عليه الأمور، وخرجت عليه الخوارج فقاتلهم، واضطرب عليه جيشه، وخالفه أهل العراق، ونكلوا عن القيام معه، هذا وأميرهم علي رضي الله عنه خير أهل الأرض في ذلك الزمان، أعبدهم وأزهدهم، وأعلمهم وأخشاهم لله – عزَّ وجلَّ -، ومع هذا كله خذلوه وتخلوا عنه. وفي فجر أحد الأيام دخل علي المسجد وجعل ينهض الناس من النوم إلى الصلاة فضربه عبد الرحمن بن عمرو المعروف بابن ملجم الحميري بالسيف على رأسه فسال دمه على لحيته رضي الله عنه، وحمل إلى منزله. ولما احتضر علي جعل يكثر من قول لا إله إلا الله، لا يتلفظ بغيرها. وقبض علي رضي الله عنه في شهر رمضان سنة أربعين عن ثلاث وستين سنة، وقيل غير ذلك، وكانت خلافته أربع سنين وتسعة أشهر. وقد غسله ابناه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر وصلَّى عليه الحسن ودفن بالكوفة، وعمي موضع قبره خوفًا عليه من الخوارج أن ينبشوا عن جثته.