موسوعةالأخلاق الإسلامية-سماحة النفس (1- سماحة النفس من الأسس الأخلاقية العامة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-سماحة النفس (1- سماحة النفس من الأسس الأخلاقية العامة)
306 0

الوصف

                                                    سماحة النفس

                                            1- سماحة النفس من الأسس الأخلاقية العامة
               الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثامن: سماحة النفس >>

1- سماحة النفس من الأسس الأخلاقية العامة

من الأسس العامة التي ترجع إليها مجموعة من الظواهر الخلقية المحمودة سماحة النفس.

ويأتي في مقابل هذا الأساس الخلقي ما يمكن أن نسميه بخلق نكد النفس وعسرها وتشددها، وترجع إليه مجموعة من الظواهر الخلقية الذميمة في السلوك الإنساني.

والناس على اختلاف مستوياتهم في الذكاء واختلاف نماذجهم الخلقية يوجد فيهم من يتمتعون بخلق سماحة النفس، فهم هينون لينون سمحاء، ويوجد فيهم آخرون نكدون متشددون يتذمرون من كل شيءٍ لا يوافق هواهم، ويريدون الدنيا كلها أن تكون على وفق شهواتهم وأهوائهم الآنية المتجددة، أو على وفق ما يرون أنه الأفضل والأصلح والأحسن، فلا يستقبلون الأحداث بسماحة نفس، ولا يستقبلون ما لا يوافق هواهم من أشياء بسماحة نفس، بل يستقبلونها بتمعر في وجوههم، ونكدٍ وتسخطٍ في نفوسهم، وسب وشتمٍ وتذمرٍ في اللسان. ويترقبون المستقبل بتشاؤم وحذر.

أما سمحاء النفوس فإنهم يكونون هينين لينين، يتقبلون ما يجري به القضاء والقدر من خيرٍ أو شر بالرضى والتسليم، ويحاولون أن يجدوا لكل ما يجري به القضاء والقدر حكمة مرضية، وإن كان مخالفًا لأهوائهم، ويراقبون دائمًا قول الله تعالى في سورة (البقرة 2):

(وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216))

ويرددون في أنفسهم عند كل أمرٍ يكرهونه معنى قول الله تعالى في سورة (النساء 4):

(فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (19))

من أجل ذلك يستقبلون كل ما يأتيهم من قبل الله بالرضى والتسليم، ويلاحظون جوانب الجمال في كل ما تجري به المقادير، ويغضون عن جوانب القبح التي قد تكون فيها بحسب تقديرهم. فهم هينون لينون راضون متسامحون، لا يسخطون إلا إذا وجدوا أمرًا يسخط الله تعالى، عندئذٍ يغضبون لغضب الله. أما ما فيه رضى الله فإنهم يرضون به لرضى الله.

وهم يترقبون المستقبل بتفاؤل وأمل، كما يستقبلون الواقع بانشراح لما يحبون وإغضاءٍ عما يكرهون، وبذلك يسعدون أنفسهم، ويريحون قلوبهم بالرضى والتسليم.

وهذا من كمال العقل، إن العاقل هو الذي يكون واقعيًّا، فيسعد نفسه وقلبه بالواقع الذي لا يملك دفعه ولا رفعه. ويكون واقعيًّا فيعامل الناس بالتسامح؛ لأنه لا يملك أن يطوع الناس جميعًا لما يريد، فالناس الآخرون ليسوا جماداتٍ تطوع، ولكنهم مثله أصحاب نفوس مختلفة، وطبائع متباينة، وإراداتٍ لا يطابق بعضها بعضًا.

وأما أصحاب النفوس النكدة العسيرة المتشددة فإنهم قلما يرضيهم شيء، بل يحاولون أن يجدوا في كل شيء أو عمل جوانب قبيحة تنفرهم منه، بل تكاد عيونهم لا ترى من الأشياء أو الأعمال إلا جوانب قبحها، فلا يرون في البدر إلا كلفه، ولا يشاهدون في شجرة الورد إلا شوكها، ولا يرون في الجبل الشامخ إلا أنه عقبة في طريق السالكين، ولا يرون في الصيف إلا أن شمسه محرقة، ولا يرون في الشتاء إلا أن برده مؤذٍ ومزكم، ولا يرون في كتاب عظيم النفع إلا ما فيه من أخطاءٍ وسقطات، ولا يرون في الطعام اللذيذ إلا الشعرة التي سقطت فيه خطأً.

إن النكد المحروم من خلق سماحة النفس إذا نظر إلى وجه جميل أخذ يبحث فيه عن بثرةٍ ليعيبه بها، وإذا تعرف على رجل ذي كمال واستقامة أخذ يبحث له عن عثرة لينقصه بها، وهكذا ديدنه، نكدٌ عسير متشدد، بحاثٌ عن العيوب والقبائح، لا يرضيه شيء، ولا يسره شيء، حتى نفسه وأعماله.

وخلق نكد النفس شقاءٌ على صاحبه، إذ يحرمه من أن يسعد نفسه بشيء.