موسوعةالأخلاق الإسلامية-سماحة النفس ( 3- ترغيب الإسلام بسماحة النفس وتنفيره من نكدها)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-سماحة النفس ( 3- ترغيب الإسلام بسماحة النفس وتنفيره من نكدها)
301 0

الوصف

                                                    سماحة النفس

                                   3- ترغيب الإسلام بسماحة النفس وتنفيره من نكدها
                 الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثامن: سماحة النفس >>

3- ترغيب الإسلام بسماحة النفس وتنفيره من نكدها

1- دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للسمحاء بأن يرحمهم الله، فقد روى البخاري عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى.

وفي رواية أخرى:

رحم الله رجلًا سمحًا إذا باع، سمحًا إذا اشترى سمحًا إذا قضى، سمحًا إذا اقتضى.

أي: سمحًا إذا قضى الحق الذي عليه، سمحًا إذا قتضى الحق الذي له.

2- ووصف الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمنين بأنهم هينون لينون سمحاء، إشعارًا بأن هذا الخلق من ثمرات التربية الإيمانية.

روى الترمذي في حديث مرسل عن مكحول قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

المؤمنون هينون لينون كالجمل الآنف، إن قيد انقاد، وإن أنيخ على صخرةٍ استناخ.

والجمل الآنف: هو الذلول السهل الذي يطيع صاحبه ولا يعصيه، فهو يأنف من الزجر والضرب، ولا يحوج صاحبه إليهما ولا إلى أحدهما.

ولا غرو أن للتربية الإيمانية أثرها في تربية خلق السماحة ولين الجنب، وسهولة النفس، والبعد عن كل نكد وعسر وشراسة، وغلظة وفظاظة.

3- وجاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الترغيب العظيم بالعافية من النار لمن كان هينًا لينًا قريبًا سهلًا، والترهيب الشديد بالحرمان من دخول الجنة لمن كان غليظًا فظًا.

فعن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ألا أخبركم بمن يحرم على النار وبمن تحرم النار عليه؟ على كل هين لين قريب سهل.

(رواه الإمام أحمد والترمذي وقال: حديث حسن غريب).

وعن حارثة بن وهب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري.

رواه أبو داود في سننه والبيهقي في شعب الإيمان.

وجاء في تفسير الجواظ والجعظري: أنه الغليظ الفظ.

4- وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم الناس في أخلاقهم وطباعهم بالأرض، فالهينون كهينها، والقساة النكدون كحزنها، والطيبون كطيبها، والخبيثون كخبيثها، ويتضمن هذا التشبيه مدحًا للهينين الطيبين، وذمًا للقساة النكدين العسرين.

فعن أبي موسى رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

إن الله خلق آدم من قبضة قبضها من جميع الأرض، فجاء بنو آدم على قدر الأرض، منهم الأحمر، والأبيض، والأسود وبين ذلك، والسهل، الحزن، والخبيث والطيب.

(رواه أحمد والترمذي وأبو داود بإسنادٍ صحيح).

ونظم بعض الشعراء هذا المعنى فقال:

الناس كالأرض ومنها هم         فمن خشن الطبع ومن لين

فجندلٌ تدمى به أرجلٌ         وإثمدٌ يوضع في الأعين

فالنفس السمحة كالأرض الطيبة الهينة المستوية، فهي لكل ما يراد منها من خير صالحة، إن أردت عبورها هانت، وإن أردت حرثها وزراعتها لانت، وإن أردت البناء فيها سهلت، وإن شئت النوم عليها تمهدت.

أم النفس النكدة الشديدة العسيرة، فهي مثل الأرض السبخة الوعرة، لا تطيب ولا تهون ولا تلين لأي عمل يراد فيها، ولا لأي مصلحة تقصد منها.

5- وكان الرسول محمد صلوات الله عليه أعظم أسوة حسنة في سماحة النفس، ولين الطبع، وسهولة المعاملة، وكمال الخلق، فكان بأخلاقه صلوات الله عليه صاحب دعوة عملية للتحلي بهذا الخلق، وبسائر فضائل الأخلاق ومحامد السلوك.

ولم يكن صلوات الله عليه نكدًا ولا صعبًا ولا فظًا ولا غليظًا، ولذلك أثنى الله عليه بالرقة ولين الجانب ولطف الحديث، إذ نفى عنه الفظاظة وغلظ القلب، فقال تعالى في سورة (النساء 4):

(وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ (159))

أي: لست يا محمد فظًا في أقوالك ومخاطباتك للناس، ولا غليظ القلب عديم الرقة واللطف والرحمة، في واقع حالك الخلقي، وليس من شأنك ولا من شأن أي داعٍ يدعو إلى الله أن يكون فظًا أو غليظًا؛ لأن هذين منفران ويجعلان الناس ينفضون من حول الداعي إلى الله.