موسوعةالأخلاق الإسلامية-ظواهر خلقية لأكثر من أساسٍ خلقي(3 - الجبن)

الوصف
ظواهر خلقية لأكثر من أساسٍ خلقي
3 - الجبن
الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل العاشر: ظواهر خلقية لأكثر من أساسٍ خلقي >>
الجبن:
الجبن: ضد الشجاعة التي سبق بيانها، والذي يكشف صفة الجبن في الإنسان هو وجوده في مواقف الخوف الحقيقي أو الوهمي، فالخوف هو الكاشف لصفة الجبن، وقد لا يكون مقدار الخوف كافيًا لإثارة الجبن، إلا أن الجبان هو من يكون جبنه أكثر مما يتطلبه الموقف المخيف، فالجبان يخاف أكثر مما ينبغي فيجبن، ويتمثل الجبن بعدم الإقدام في المواقف التي تتطلب الإقدام، أو بعدم ثبوت الأقدام في المواقف التي يجمل فيها ثبوت الأقدام، أو بالفرار من الساحة.
وليس كل من يخاف من المواقف جبانًا، ولكن الجبان هو من يزيد خوفه عن حاجة الموقف عند الشجعان الأسوياء، حتى يمنعه عن الإقدام والاستبسال، أو هو من يخاف فيجبن في المواقف التي يجمل فيها ويحسن الإقدام وعدم الخوف.
ومن الجبن أن لا يصبر الإنسان على مواجهة المواقف المخيفة، أو مقارعتها، أو تحمل آلامها، لذلك يجد سبيله إلى الفرار إن استطاع إليه سبيلًا، أو تنقطع عزائمه، وتنهار قوته، فلا تثبت أقدامه، وعند ذلك يستسلم استسلام الشاة لجزارها أو لمفترسها، جبنًا واستخذاءً وعجزًا عن تقديم أية قوة من قوى المعارضة.
وقد وصف الله اليهود بأنهم أحرص الناس على حياة، إشعارًا بأنهم جبناء في مواقف القتال، فقال تعالى في وصفهم في سورة (البقرة 2):
(وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَن يُعَمَّرَ وَاللهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ (96))
ومعلوم أن الحرص على الحياة يورث الجبن في القلوب، ولكن المؤمن يعلم أن الله تعالى هو وحده الذي بيده الموت والحياة، وأن لكل إنسان أجلًا لا ينقص ناقص منه ولا يزيد زائد فيه، لذلك فهو أكثر ضبطًا لنفسه عند مواقف الخوف من الموت، ثقة بأنه لن يصيبه إلا ما كتب الله له.
ووصف الله اليهود أيضًا بقوله في سورة (الحشر 59):
(لأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ (13) لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ (14))
فمن ظواهر جبنهم أنهم لا يقاتلون المسلمين مجتمعين إلا إذا كانوا في قرى محصنة، أو كانوا وراء جدر.
ووصف الله المنافقين بأنهم فرارون من المعارك، إشعارًا بأنهم جبناء، فقال تعالى في سورة (الأحزاب 33):
(وَإِذْ قَالَت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لاَ مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا وَيَسْتَأْذِنُ فَرِيقٌ مِّنْهُمُ النَّبِيَّ يَقُولُونَ إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ وَمَا هِيَ بِعَوْرَةٍ إِن يُرِيدُونَ إِلاَّ فِرَارًا (13))
ولكن الفرار لا ينفعهم إذا قضى الله عليهم بالموت أو بالقتل، فإن ما يفرون منه آتيهم في آجالهم المقدرة لهم، وهذا ما أبانه الله بعد ذلك بقوله في السورة نفسها:
(قُل لَّن يَنفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِن فَرَرْتُم مِّنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لاَّ تُمَتَّعُونَ إِلاَّ قَلِيلاً (16))