موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة (شرح مغريات الحياة الدنيا الخمس)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة (شرح مغريات الحياة الدنيا الخمس)
553 0

الوصف

                                                    علو الهمة

                                    شرح مغريات الحياة الدنيا الخمس
         الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل التاسع: علو الهمة >>

شرح مغريات الحياة الدنيا الخمس:

1- اللعب:
هو ما كان من الأعمال غير الجادة ذا غاية مقصودة، كرياضة الجسم أو رياضة الفكر، لاكتساب مهارات علمية أو عملية، أو تنمية قدرة من القدرات الجسمية أو الفكرية أو النفسية، فمن ذلك ركوب الخيل واللعب عليها، والسباحة واللعب فيها، والرمي واللعب فيه، فهذه كلها ألعاب، ولكنها ذات مقاصد تقصد ونتائج ترجى.

2- اللهو:
هو ما كان من الأعمال غير الجادة متسمًا بأنه غير ذي غاية تقصد، وإنما هو مجرد تله عن القيام بالأعمال الجادة النافعة.

وقد يفسر اللغويون اللهو باللعب، ولكن إذا تتبعنا مادة كلمة اللهو وجدناها تتضمن معنى التشاغل عن شيء ما بأي شيء آخر ليس مقصودًا لذاته، وإنما هو انصراف به عن الشيء الذي أراد المتلهي الإعراض عنه، فاللهو يحمل معنى الإعراض عن عمل ما أكثر مما يحمل معنى القيام بالعمل الآخر، فقد يكون التلهي بالعبث المطلق، كالعبث بحصى الأرض، والعبث بسلسلة تدار على الإصبع ثم تنكث، أو بسبحة تحرك حباتها بالأصابع، إلى غير ذلك.

ومن أمثلة اللهو ما يفعله الذين ينفقون أعمارهم وطاقاتهم في العبث بلعبة النرد، أو بألعاب الورق ذات الأرقام والصور، ونحو ذلك من وسائل لهو وعبث.

وكثير من أعمال الناس الدنيوية، إذا لم يكن فيها تحقيق غاية ترضي الله تعالى وتجلب غنمًا أخرويًّا خالدًا، هي من قبيل اللهو أو اللعب، إذ لا تزيد قيمتها الحقيقية على أنها تله بما هو حقير وتافه، عما هو عظيم جليل خطير الشأن، أو لعب ضئيل القيمة تافه الغاية. ومثل التلهي بأعراض الدنيا عن القيم الأخروية العظيمة كمثل تلهي الأطفال عن ميراثهم العظيم بألعاب يخدعهم بها شيطان خبيث يريد أن يضيع لهم ميراثهم، ويتلف لهم كنزهم.

كم يضيع الناس من كنوز الآخرة بما ينخدعون به من لعب ولهو، وقد كان باستطاعتهم أن يكونوا أهل جدٍ وعمل يزرعون في الحياة الدنيا ما يبقى لهم ثمرًا خالدًا ناميًا إلى يوم الدين.

لو أن مزارعًا تلهى ولعب في وقت الحرث والزرع، وتشاغل بما لا يخدم مزرعته أفتراه يحصد ثماره مع الغانمين إذا جاء موسم الحصاد؟ إنه يومئذٍ يحصد الخيبة والندم، ويقطف من أشواك الألم ثمرات لهوه ولعبه، ويرى الغانمين يملأون أحمالهم وديارهم خيرًا ورزقًا، فيمتلئ قلبه وتمتلئ نفسه حسرة وألمًا.

فإذا كان اللعب واللهو في الإثم ومعصية الله كان البلاء أدهى وأمر، إذ لا يقتصر ضررها على الحرمان من الخير العظيم يوم القيامة، بل هي أوزار ثقيلة تجرّ عذابًا أليمًا.

بخلاف الأعمال النافعة ذات النتائج الخيرة يوم القيامة، فهي ذات خاصتين:

الأولى:
ما يغنمه المؤمن من أجر عظيم عليها يوم الدين.

الثانية:
ما ينجم عنها من عمران دنيوي حضاري خير لا شر فيه، يجمع بين المادة والروح، بين المتعة والفضيلة، بين لذة الروح ولذة الجسد، بين الدين والدنيا.

وبذلك تمتاز أعمال المسلمين الملتزمين تعاليم الإسلام عن أعمال غيرهم، فهم يستطيعون أن يوفقوا بحكمة رائعة بارعة بين الدنيا والآخرة، بقيادة حكيمة توجه العمل شطر الخير، مع ابتغاء مرضاة الله فيه.

3- الزينة:
هي في الأصل اسم جامع لكل ما يتزين به، والتزيين هو تحسين المظهر وتجميله حتى تميل إليه الحواس وترتاح إليه النفس، ولا يشترط فيما هو حسن مزين المظهر أن يكون في حقيقته جوهرًا نافعًا، وذا قيمة حقيقية باقية، بل ربما يكون ضارًا وجالبًا لشر وعذاب، فالزينة من شأنها أن تستهوي النفوس إذ تستحسنها الحواس.

وقد أبان الله لنا أنه جعل ما على الأرض زينة لها ليبلو الناس أيهم أحسن عملًا، فقال عز وجل في سورة (الكهف 18):

(إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُم أَحْسَنُ عَمَلاً (7))

أي: لنختبرهم في مجال الزينة التي تخدع حواس غير العقلاء، وبالامتحان يظهر أيهم أحسن عملًا، أيهم يكون جادًا عاملًا لما عند الله من أجر عظيم وثواب جزيل، وأيهم يكون مغترًا بزينة الحياة الدنيا، معرضًا عما يحقق له في الآخرة سعادة عظيمة خالدة.

وهكذا سمى الله كل ما على الأرض من شيء يتمتع به الإنسان زينة لها، نظرًا إلى الحقيقة الجوهرية، وقياسًا على الدار الآخرة وما فيها من نعيم حقيقي لا ينقطع.

وسمّى الله تبارك وتعالى المال والبنين زينة من زينة الحياة الدنيا، وأبان أن الباقيات الصالحات خير عنده ثوابًا وخيرٌ أملًا، فقال تعالى في سورة (الكهف 18):

(الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلاً (46))

والباقيات الصالحات هي الأعمال الصالحة التي ترضي الله تعالى، ويبتغى بها وجهه، فهي باقيات لأن ثوابها باقٍ وخالد في دار النعيم يوم الدين، فهي لذلك خير من المال والبنين ثوابًا.

أما كونها خيرًا أملًا، فيظهر لنا حينما نلاحظ أن الناس يجمعون المال الكثير ويرغبون بالبنين أملًا بما في المال والبنين من نفع لهم في مستقبل حياتهم، لكن الباقيات الصالحات من الأعمال التي لها ثواب عظيم خالد في دار الجزاء، هي خيرٌ أملًا في نفوس المؤمنين من كل الآمال التي يعلقها الناس في الدنيا على الأموال والبنين.

وأبان الله لنا أن المراكب من زينة الحياة الدنيا، فقال تعالى في سورة (النحل 16):

(وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ (8))

فركوبها واقتناؤها انتفاع وزينة.

ومن الزينة التطلع إلى استتباع أصحاب المال والجاه، والزهد بالفقراء والضعفاء، ففي تربية الله لرسوله في هذا الشأن قال تعالى له في سورة (الكهف 18):

(وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28))

فرطًا: أي سرفًا وتضييعًا للخير.

وجاء التعبير عن زينة الحياة الدنيا بالزهرة؛ لأن الزهرة مزدانة المظهر شكلًا ولونًا ورائحة وملمسًا، إلا أنها سريعة الذبول قصيرة العمر قليلة النفع، إنها زينة النبات، وهي أقصر ما في النبات عمرًا، مع أنها أرقه حاشية وأحلاه منظرًا، قال الله تعالى في سورة (طه 20):

(وَلاَ تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى (131))

وحينما نمعن النظر في كل ما في الحياة الدنيا مما يستهوي نفوس الناس، وننظر بمنظار الحقيقة الأبدية الخالدة، يتبين لنا أن متاعها الذي يتقاتل الناس عليه ويتنافسون فيه هو من قبيل الزينة، ذات البريق الظاهر فقط، والنفوس تميل إليه والحواس تنجذب إليه، انخداعًا به، واغترارًا بأنه ذو مضمون نافع مشحون بالخير وهو في الحقيقة غير ذي محتوى جوهري صحيح، الكدح له كثير، واللذة منه كرذاذ من الماء ترمي به على حديدٍ محمي بالجمر، والفتنة به والانشغال به عن الإعداد للآخرة وما فيها من نعيم عظيم خالد، هو من قبيل اللهو واللعب إذا قيس بمقياس الحقيقة الجوهرية الأبدية.

على أن الاستمتاع بالزينة في حدود ما أباح الله لا يتعارض مع العمل للآخرة، بل قد يكون مساعدًا عليه، بل قد يكون جزءًا منه، إذا اقترن بنية صالحة فيها طاعة لله تعالى، قال الله تعالى في سورة (الأعراف 7):

(قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (32))

فالزينة مباحة في الدنيا للذين آمنوا، ينالون منها هم وغيرهم، وهي لهم وحدهم يوم القيامة، ولكن يشترط لاستمتاع المؤمنين بها في الحياة الدنيا شروط:

(أ) أن لا يستمتعوا من الزينة بما حرم الله تعالى، أو على وجه حرمه الله تعالى.

(ب) أن لا يطغى استمتاعهم بها على الواجبات المنوطة بهم.

(ج) أن لا تنسيهم الله وتلهيهم عن ذكره.

والمستوى الرفيع لاستمتاعهم بالزينة أن تعينهم على طاعة الله وشكره، وأن تكون بالمقاصد الصالحة عنصرًا من عناصر عبادتهم لله تعالى.

والاستمتاع بالزينة تعتوره الأحكام الشرعية الخمس: فقد يكون واجبًا كأكل ما فيه قوام الحياة، وقد يكون مندوبًا كالزواج لشاب استطاع الباءة، وقد يكون مباحًا كشراب مباح دعت إليه الشهوة ولم تدع له الحاجة، وقد يكون مكروهًا كالزيادة عن مقدار الحاجة في طعام أو شراب لاحتمال الضرر في ذلك، وقد يكون حرامًا كالاستمتاع بما حرم الله من مآكل ومشارب ومناكح وغير ذلك.

فليس الغرض من ترغيب الإسلام المسلمين بالزهد في الدنيا وزينتها الامتناع من الزينة والاستمتاع بها، وليس الغرض من اعتبار الحياة الدنيا لعبًا ولهوًا وزينة وتفاخرًا وتكاثرًا من الأموال والأولاد أن الإسلام يمنع المسلم من هذه الأمور. إنما الغرض تحقير أمر الدنيا في نظر المؤمن حتى لا يشتد تعلقه بها، ولينظر إلى الآخرة وما فيها من نعيم مقيم ويسعى لها سعيها المطلوب، فيظفر بالخير العظيم الذي أعده الله للعاملين الساعين للمنازل الرفيعة في دار الخلود. وليهون عليه التضحية بماله ونفسه طمعًا بما هو أعظم وأجل.

4- التفاخر:
وهو التسابق لحيازة ما به يفتخر الناس بعضهم على بعض.

وكم يتسابق الناس في الحياة الدنيا ويتنافسون ويبذلون الكثير لينالوا بين الناس مظهرًا من مظاهر الفخر، وليرضوا في نفوسهم دافع الكبر وحب الاستعلاء. إن كثيرًا من الناس يشقون أنفسهم ليفخروا على غيرهم بعرض من أعراض الحياة الدنيا، وينافسهم آخرون ويشقون في الحياة ليجاروهم وليكون لهم من الفخر مثل ما لهم.

إن أحدهم