موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة (3- الجد في العمل وعدم التواني والكسل)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة (3- الجد في العمل وعدم التواني والكسل)
324 0

الوصف

                                                     علو الهمة

                                        3- الجد في العمل وعدم التواني والكسل
           الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل التاسع: علو الهمة >>

3- الجد في العمل وعدم التواني والكسل

من ظواهر خلق علو الهمة في السلوك الجد والنشاط في العمل، وعدم التواني والكسل، وعدم التباطؤ وعدم التهاون.

والجد والنشاط في أعمال الخير التي ترضي الله تعالى من سمات المؤمنين الصادقين الذين يراقبون الله ويرجون اليوم الآخر، إنهم كلما دعاهم داعي العمل إلى فعل الخير قاموا إليه بحيوية ونشاطٍ جاد. يدعوهم الداعي إلى الجهاد في سبيل الله فيطيرون إليه كالصقور رجالًا أو ركبانًا. ويدعوهم الداعي إلى الصلاة من جوف الليل، فتتجافى جنوبهم عن المضاجع. ويناديهم المنادي إلى العلم والمعرفة فيقفزون لتناوله ولو كان في الثريا. وتتحرك فيهم الدوافع إلى اكتساب الرزق، فيبكرون إليه، لينالوا من بركة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم:

بورك لأمتي في بكورها.

والمؤمنون الصادقون يكرهون الكسل ويحتقرونه ويستعيذون بالله منه، ويدعون بدعوة الرسول صلى الله عليه وسلم:

اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال.

 ومن كان صاحب همة عالية لم يقبل واحدة من هذه الخصال؛ لأنها ظواهر لا تتلاءم مطلقًا مع خلق علو الهمة.

وذم الله التكاسل والتباطؤ وجعلهما من صفات المنافقين.

قال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا (73))

فقد دعا الله المؤمنين في هذا النص إلى أن ينفروا مجاهدين في سبيل الله ثباتٍ -أي جماعات متفرقة- أو جميعًا -أي عصبة واحدة في نفير عام- وذلك حسب مقتضيات المصلحة.

وأنحى باللائمة على المبطئين، وهم من المنافقين الموجودين في صفوف المؤمنين، فهم فريق طلاب مغانم، ولكنهم غير مستعدين أن يبذلوا أي جهد في سبيل الله، فإذا دعا الداعي إلى الجهاد تباطؤوا ولم يخرجوا، فإذا نال المجاهدين مكروه فرحوا هم بالسلامة، وإذا ظفر المجاهدون وغنموا ندموا هم وتحسروا على أنفسهم، وقال قائلهم: يا ليتني كنت معهم فأفوز فوزًا عظيمًا، ويعتبر الغنيمة هي الفوز العظيم؛ لأنه منافق لا يؤمن باليوم الآخر، ولا يسعى للفوز فيه، ولو كان مؤمنًا حقًا لتوقد إيمانه حرارة فنفى عنه التباطؤ والتكاسل، وخرج إلى القتال في سبيل الله ورجا الشهادة والأجر عند الله.

وقال الله تعالى في سورة (النساء 4):

(إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاَةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللهَ إِلاَّ قَلِيلاً (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَلاَ إِلَى هَؤُلاَءِ وَمَن يُّضْلِلِ اللهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً (143))

وقال الله تعالى في سورة (التوبة 9):

(قُلْ أَنفِقُوا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا لَّن يُّتَقَبَّلَ مِنْكُمْ إِنَّكُمْ كُنْتُمْ قَوْمًا فَاسِقِينَ (53) وَمَا مَنَعَهُمْ أَن تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللهِ وَبِرَسُولِهِ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنْفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ (54))

فقد ذم الله المنافقين بأنهم لا يقومون إلى الصلاة إلا وهم كسالى، فمن كان فيه هذا الوصف من المؤمنين كانت فيه صفة من صفات أهل النفاق.

وعلة المنافقين أنهم غير مؤمنين بفائدة الصلاة وجدواها، لذلك فهم إذا اضطرهم نفاقهم أن يقوموا إليها مسايرة للمؤمنين، وحتى لا ينكشف نفاقهم، قاموا إليها متباطئين كسالى.

بخلاف المؤمنين الصادقين فإنهم يقومون إلى الصلاة بهمة ونشاط، ورغبة صادقة، ولذلك وصف الله المؤمنين الصادقين بأنهم يقومون إلى التهجد في الليل أو إلى صلاة الفجر تتجافى جنوبهم عن المضاجع، وهذا عنوان مصارعة همتهم لحاجة أجسادهم إلى الراحة والنوم، فقال تعالى في سورة (السجدة 32):

(تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (17))

همة الرسول صلى الله عليه وسلم في عباداته:

وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم صاحب همةٍ عالية جدًّا في عباداته، كان يقوم من الليل حتى تتورم قدماه.

روى النسائي بإسناد صحيح على شرط مسلم، عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف قال: إن رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قلت وأنا في سفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأرقبن رسول الله صلى الله عليه وسلم للصلاة حتى أرى فعله، فلما صلى العشاء وهي العتمة، اضطجع هويًّا من الليل،  هويًّا من الليل: أي زمانًا منه.   ثم استيقظ فنظر في الأفق فقال:

(رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (191) رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ (192) رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدتَّنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ (194)) (آل عمران 3).

قال: ثم أهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى فراشه، فاستلّ منه سواكًا، ثم أفرغ في قدح من إداوة عنده ماءً فاستن،  فاستن: أي فاستاك بالسواك.   ثم قام فصلى، حتى قلت: قد صلى قدر ما نام.

ثم اضطجع حتى قلت: قد نام قدر ما صلى، ثم استيقظ ففعل كما فعل أول مرة، وقال مثل ما قال.

ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث مراتٍ قبل الفجر.

كل هذا يفعله صلى الله عليه وسلم من علو همته مع أن الله تعالى قد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأعطاه أعظم الدرجات، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم كان عبدًا شكورًا لربه، كما قال هو.

وروى البخاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود قال: صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة فأطال القيام، حتى هممت بأمر سوء. قيل: وما هممت به؟ قال: هممت أن أجلس وأدعه.

وروى مسلم عن حذيفة بن اليمان قال: صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فافتتح البقرة، فقلت: يركع عند المائة، ثم مضى فقلت: يصلي بها في ركعة، فمضى فقلت: يركع بها، ثم افتتح النساء فقرأها، ثم افتتح آل عمران فقرأها، يقرأ مترسلًا إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ. ثم ركع، فجعل يقول:

سبحان ربي العظيم

فكان ركوعه نحوًا من قيامه، ثم قال:

سمع الله لمن حمده، ربنا لك الحمد

ثم قام قيامًا طويلًا قريبًا مما ركع، ثم سجد فقال:

سبحان ربي الأعلى

فكان سجوده قريبًا من قيامه.

وروى البخاري ومسلم عن عائشة، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقلت له: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال:

أفلا أحب أن أكون عبدًا شكورًا.

وكان من علو همته صلوات الله عليه، يحيي الليل كله في بعض مواسم العبادة، روى البخاري ومسلم عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ادخل العشر أحيى الليل، وأيقظ أهله، وجد، وشد المئزر".

والمراد من العشر العشر الأواخر من رمضان، تحريًّا لليلة القدر.

والمراد من شد المئزر: تشميره للعباده وبعده عن معاشرة النساء.

التكاسل عن العبادات من وساوس الشيطان:

ولما كان الشيطان عدوًا للإنسان، وكان يكره منه الإيمان وعبادة الله والأعمال الصالحة، كان من وسائله تثبيط الهمم عن العبادة، والوسوسة بما يميل بالنفس إلى الكسل.

ومن أعماله أنه يعقد على قافية رأس الإنسان إذا هو نام، ليمنعه من اليقظة والنهوض إلى عبادة الله في جوف الليل. وقافية الرأس قفا الرأس ومؤخره. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد، يضرب على كل عقدة: عليك ليل طويل فارقد. فإن استيقظ فذكر الله انحلت عقدة. فإن توضأ انحلت عقدة. فإن صلى انحلت عقدة، فأصبح نشيطًا طيب النفس، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان.

فهي عقد كسل مضروب عليها بوساوس شيطانية، ومتى تراكمت على الإنسان صارت خبلًا، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا الخبل المقعد عن النشاط والهمة إلى طاعة الله وعبادته بأنه أثر خبيث من آثار وساوس الشيطان.

فقد روى البخاري ومسلم عن ابن مسعود قال: ذكر عند النبي صلى الله عليه وسلم رجل، فقيل له: ما زال نائمًا حتى أصبح، ما قام إلى الصلاة قال:

ذلك رجل بال الشيطان في أذنه

أو قال:

في أذنيه.

فمن لطائف التوجيه الإسلامي ربط الكسل وظواهره بالشيطان، وتربية المسلمين على مدافعة كل ظواهر الكسل.