موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (4- في جملة من الفضائل: في الصدقة والصبر والتعفف عن المسألة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (4- في جملة من الفضائل: في الصدقة والصبر والتعفف عن المسألة)
151 0

الوصف

                                                     نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية

                                             4- في جملة من الفضائل: في الصدقة والصبر والتعفف عن المسألة

4- في جملة من الفضائل: في الصدقة والصبر والتعفف عن المسألة، وسنن الله فيها وفي أن صدق النية مع عدم القدرة على العمل كالعمل

روى الترمذي بإسناد صحيح عن أبي كبشة عمر بن سعد الأنماري، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

ثلاثة أقسم عليهن، وأحدثكم حديثًا فاحفظوه: ما نقص مال من صدقة. ولا ظلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزًا، ولا فتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر (أو كلمة نحوها).

وأحدثكم حديثًا فاحفظوه (قال): إنما الدنيا لأربعة نفر:

* عبد رزقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل.

* وعبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو نيته، فأجرهما سواء.

* وعبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل.

* وعبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت فيه بعمل فلان، فهو نيته، فوزرهما سواء.

في هذا الحديث بيان لثلاث قواعد هي من سنن الله في عباده، وبيان لأقسام الناس الأربعة في تصرفهم في حالتي سعة الرزق، وقلة ذات اليد.

السنة الأولى:
ما نقص مال من صدقة. إنها سنة ربانية أقسم عليها الرسول صلى الله عليه وسلم تأكيدًا لكونها من الحقائق الثابتة.

أي إن الصدقة مضمونة الإخلاف من الله تعالى، مع المضاعفة، وكل ما هو مضمون العوض من مليء قادر على الوفاء صادق الوعد فهو باقٍ لم يذهب منه شيء، فإذا لاحظنا نماءه عند الضامن المليء كان من قبيل التجارة الرابحة، وما أحدٌ يتصور أن ما يبذله من ماله في تجارة رابحة، أو في قرض سيؤدى حتمًا قد نقص من ماله شيئًا، وإنما يفهم أنه قد نقله من صندوقه إلى صندوق أمين.

وحين يلاحظ المؤمن أن يتعامل مع الله في قرضه وفي تجارته الرابحة، يكون على يقين بأن ماله الذي دفعه في الصدقة قد وضعه في يد أمين أعظم منه حراسة وصونًا وحفظًا، وأعلم منه بالتنمية والتثمير والتربية.

وقد دلت النصوص القرآنية على أن من يبذل الصدقة مخلصًا لله تعالى فإنما يقرض الله قرضًا حسنًا يضاعفه الله له.

وجاء في الحديث أن الصدقة تقع في يمين الرحمن، فيربيها الله له وينميها.

وهل من التعويض المضمون نقصان؟!

يضاف إلى ذلك أن الصدقة الواجبة في المال هي في الحقيقة مال أصحاب الحقوق، ويد صاحب المال عليها يد مستودع أمانة ليست له، ويجب عليه أن يؤديها إلى أهلها، فإذا أداها لم ينقص ماله الذي هو له شيئًا، وإنما أدى الوديعة، والوديعة هي لأصحابها، على أن الله تعالى يخلف على باذل الصدقة الواجبة، إذا لم يخن الأمانة التي استأمنه الله عليها حين يسر له سبيل الرزق.

السنة الثانية:
ما ظُلم عبد مظلمة صبر عليها إلا زاده الله عزًا.

وتتضمن هذه السنة الربانية أنه ما من عبد تدفعه مكارم أخلاقه وابتغاء مرضاة الله أن يصبر على مظلمة يُظلمها، وكان الظالم له يتصور أنه قد استطاع الاستطالة عليه بسبب أنه أضعف منه قوةً أو حيلة، إلا كانت عاقبة الأمر أن يمد الله المظلوم بقوة من عنده، فيزداد عزًا، بعد أن كان أضعف من ظالمه، ويعوض الله له ما خسره من عزته بتسلط الظالم عليه. ثم ترتفع مكانته في نفوس الناس، حتى يكون عزيزًا بأخلاقه، كريمًا عندهم بفضائله، محبوبًا لديهم، منظورًا إليه بعيون العطف والتأييد، وعندئذ تأتيه منهم النصرة ولو كانوا من قبل لا يعرفونه، وبذلك يزيده الله عزًا أيضًا.

السنة الثالثة:
ما فتح عبدٌ باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر.

وفي هذه السنة الربانية تحذير من هوان النفس، وتعريض الإنسان نفسه لذل سؤال الناس كي يمنحوه من عطاءاتهم، وهذا التحذير يتمثل بأن يعاقب المسيء في ذلك بحرمانه من الشيء الذي أساء بغية الوصول إليه. إنه اتخذ سؤال الناس ليصل إلى الغنى، لذلك كانت سنة الله تقضي بمعاقبته بأن يجعل الله الفقر بين عينيه، فكلما فتح بابًا من أبواب المسألة فتح الله عليه بابًا من أبواب الفقر، فتظل مشاعر الفقر وآلامه تلاحق نفسه، ولو كان بين يديه من المال ما يكفيه.

وهذا هو ما نلاحظه في المتسولين الذين يتكففون الناس، إن أحدهم قد يجمع بالمسألة مالًا كثيرًا، وهو مع ذلك مصاب بداء الفقر النفسي، ومعظمهم لا ينتفع بما يجمع من مال، ويظل يكنزه ويبخل به على نفسه، حتى يصل إلى رمسه وهو في ثياب الفقراء، وطعام الفقراء، ومأوى الفقراء، يعاني من داء طلب الغنى والخلاص من الفقر.

هذه هي السنن الربانية الثلاث التي أقسم الرسول صلى الله عليه وسلم عليهن في الحديث الذي نتدبره.

أما أقسام الناس الأربعة بالنسبة إلى تصرفهم في حالتي سعة الرزق وقلة ذات اليد، بحسب بيان الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد أبان الرسول أن الناس بالنسبة إلى حيازة المال وعدمه قسمان: ذو مال، وغير ذي مال، وبالنسبة إلى العقل والحكمة في التصرف بالمال وإرادة الخير فيه قسمان أيضًا: عاقل حكيم يريد الخير ويعمل به، وجاهل أرعن لا يريد الخير ولا يعمل به، وبنتيجة ضرب هذين القسمين بالقسمين السابقين تكون الأقسام أربعة.

فقال الرسول صلى الله عليه وسلم:

إنما الدنيا لأربعة نفر

أي لأربعة أقسام، وهذا التقسيم في الحقيقة هو تقسيم للناس.

فالقسم الأول:
قسم رزقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل.

فهذا القسم من الناس قسم قد جمع المال والعلم، وليس المراد من العلم مجرد المعرفة، وإنما المراد منه المعرفة المقرونة بالحكمة في التصرف، والحكمة سلوك عاقل مستند إلى علم بما هو خير وأفضل، والذي يوضح هذه الحقيقة الترتيب السلوكي الذي جعله الرسول صلى الله عليه وسلم ثمرة من ثمرات العلم، وهو في الحقيقة ثمرة من ثمرات العلم النافع، وهو العلم المقرون بالحكمة في التصرف، إذ قال الرسول صلى الله عليه وسلم:

عبد رزقه الله مالًا وعلمًا، فهو يتقي فيه ربه، ويصل رحمه، ويعلم لله فيه حقًا، فهذا بأفضل المنازل.

فأطلق الرسول العلم وأراد العلم والحكمة، إذ العلم الذي لا يكون من ثمرته الحكمة في التصرف ليس بعلم في الحقيقة، وإنما هو مجرد إدراك ذهني.

وتقوى الله في المال تكون بكسبه مما أحل الله وأذن، وإنفاقه فيما أحل الله وأذن، وتأدية حق الله منه.

ثم هو لا يقتصر على جانب التقوى فقط، بل يزيد نافلة هي من البر، ومن أفضل ذلك صلة الرحم، ببذل المال إليهم، وإكرامهم به، والتوسعة عليهم منه.

وهذا هو القسم الأول وهو بأفضل المنازل بالنسبة إلى سائر الأقسام التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم.

القسم الثاني:
عبد رزقه الله علمًا ولم يرزقه مالًا، فهو صادق النية يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو نيته فأجرهما سواء.

فهذا قسم من الناس لديه علم وحكمة، ولكن ليس لديه مال يعمل فيه بعمل القسم الأول من الناس، إلا أنه صادق النية في أنه لو كان لديه مال لاتقى فيه ربه، ووصل به رحمه، وأدى منه حق الله.

فشأن هذا القسم لدى المحاسبة والجزاء شأن نيته، فهو يثاب على نيته كثواب القسم الأول، إذ كان صادق النية، عالمًا حكيمًا، يقول: لو كان لي مال لعملت فيه بعمل ذلك العالم الحكيم ذي المال.

فأبان الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا أن النية الصالحة الصادقة التي لم يمنعها عن التنفيذ إلا مانع خارج عن إرادة الإنسان كافيةٌ وحدها للظفر بالأجر كله دون نقصان، فلا يتوقف الظفر بالأجر على تنفيذ النية بالعمل حينئذ.

أما إذا كان المانع من التنفيذ شيئًا داخلًا في إرادة الإنسان فالأمر يختلف، ويتبع الحساب والجزاء عندئذ واقع حال ما في النفس من ذلك.

القسم الثالث:
عبد رزقه الله مالًا ولم يرزقه علمًا، فهو يخبط في ماله بغير علم، لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه، ولا يعلم لله فيه حقًا، فهذا بأخبث المنازل.

هذا قسم له مال، ولكن ليس لديه علم ولا حكمة في التصرف بماله، ولما كان هذا القسم محرومًا من العلم والحكمة في التصرف وقد وجد سلطان المال بين يديه، فلا بد أن يخبط في ماله خبطًا جاهلًا، متبعًا أهواء نفسه جمعًا وإنفاقًا، فيجمعه بغير تقوى الله، من أي طريق يصادفها، حلالًا أو حرامًا، وينفقه في غير تقوى الله، إسرافًا وتبذيرًا، تلبية لأهواء نفسه وشهواتها، ويبدده بمعصية الله، ويمسكه عن وجوه الخير، ويمنع حق الله فيه، أو يبخل به على نفسه وغيره، فيكنزه ويكاثره، ثم يموت عنه ويتركه، ويجازى عليه عند ربه، ويأتي الوارث من بعده فيستولي عليه، ويكون من حظه، وقد كد في جمعه له مورثه.

وجدير بهذا القسم أن يكون بأخبث المنازل؛ لأن بيده قوة المال، فاستعملها أسوأ استعمال، إذ خبط بماله بغير علم ولا حكمة، خبط الأعشى السائر في الظلمات على غير هدى ولا بصيرة.

القسم الرابع:
عبد لم يرزقه الله مالًا ولا علمًا، فهو يقول: لو أن لي مالًا لعملت بعمل فلان، فهو نيته، فوزرهما سواء.

وهذا قسم من الناس هو في منتهى الغباء، يتمنى أن تكون بيده قوة الجاهلين الذي لا عقل لهم ولا حكمة تضبط سلوكهم، حتى يعمل مثل أعمالهم السيئة التي يخبطون فيها خبطًا خبيثًا، فلا هو متمتع بتلبية شهواته وأهواء نفسه، ولا هو ناج من أوزار المسيئين، إذ جعلته نيته السيئة الخبيثة كالمسيئين نية وعملًا، وجعلته يحمل أوزارًا مثل أوزارهم، من غير فرق بينه وبينهم لأنه لو وجد المال لما قصر عنهم في الأعمال. فالمانع له من التنفيذ قد كان أمرًا خارجًا عن إرادته، فإرادته المصممة المحجوزة عن العمل بمانع خارجي هو العجز عن التنفيذ، كافيةٌ لتحميله الوزر المكافئ لوزر العامل المسيء؛ لأن أصل الامتحان في الحياة إنما هو امتحان الإرادة.