نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث والعشرون (في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث والعشرون (في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال)
264 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث والعشرون (في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال)

النداء الثالث والعشرون:

وجوب أخذ الحذر من العدو

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانفِرُوا ثُبَاتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعًا (71) وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَن لَّيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا (72) وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا" (النساء: 71-73).

موضوع الآيات: في وجوب أخذ الحذر من العدو والتصرف بحكمة حال الحرب واشتداد القتال.

المفردات:

"خُذُوا حِذْرَكُمْ" : الحذر، الحذر، الاحتراس والاستعداد لدفع المكروه بحسبه.

"فَانفِرُوا ثُبَاتٍ" : النفور، الخروج في اندفاع وانزعاج، والثبات، جمع ثبة وهي الجماعة.

"لَّيُبَطِّئَنَّ" : أي يتباطأ في الخروج فلا يخرج.

"مُّصِيبَةٌ" : قتل أو جراحات وهزيمة.

"شَهِيدًا" : حاضرا الغزوة معهم.

"فَضْلٌ" : نصر وغنيمة.

"مَوَدَّةٌ" : صحبة ومعرفة مستلزمة للمودة.

"فَوْزًا عَظِيمًا" : نجاة من معمرة التخلف عن الجهاد والظفر بالسلامة والغنيمة (أو حظا وافرًا من الغنيمة).

مناسبة الآيات لما قبلها:

لما حذر تعالى من النفاق والمنافقين وأوصى بطاعة الله وطاعة رسوله، أمر هنا بأعظم الطاعات والقربات، وهو الجهاد في سبيل الله لإعلاء كلمته وإحياء دينه، وأمر بالاستعداد والتأهب حذرًا من مباغته الكفار، ثم بين حال المتخلفين عن الجهاد، المثبطين للعزائم من المنافقين، وحذر المؤمنين من شرهم.

المعنى الإجمالي:

تعلم أيها المؤمن أنه ما نادى الله تعالى عباده المؤمنين إلا ليبين لهم طريق سعادتهم وكمالهم، وعزهم وسيادتهم وقيادتهم، لأنهم أولياؤه وهم وليهم، وأن ما يأتي بعد النداء لا يكون إلا أمرا منجيا ومسعدا، أو نهيا مبعدا عن الشقاوة والخسران في الدارين، أو نذارة تخيف وترهب فتحمل المؤمنين على مواصلة فعل الخيرات، واجتناب المنكرات، ولا غرابة ولا عجب في هذا؛ لأن الولي لا يريد لأوليائه إلا نجاتهم وسعادتهم والمؤمنون المتقون أولياء الله، والله وليهم إذ قال تعالى: "اللهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ" يخرجهم من ظلمات الشرك والكفر والنفاق، وكبائر الذنوب وفواحش القول والعمل، لتبقى أنفسهم زكية طاهرة يرضاها تعالى، ويعطيها مناها وقد أخبر بذلك في قوله: "أَلاَ إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ" وبينهم بقوله: "الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ" وبين تحقيق مناهم لهم فقال: "لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآَخِرَةِ لاَ تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ" أي الحاملة للبشارات "ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ"

والآن هل تدري لم نادى الله تعالى عباده المؤمنين في هذا النداء الثالث والعشرون من نداءاته لهم في كتابه العزيز الحكيم؟ إنه ناداهم ليأمرهم بأخذ الحذر من عدوهم، وعدو المؤمنين وهو كل كافر من الإنس والجن، وعدوهم هو من يريد هلاكهم وخسرانهم وذلهم وضعفهم وحقارتهم، ولا يكون هذا العدو إلا كافرا ظالما، والحذر يكون بتوقي المكروه بالأسباب المشروعة الممكنة، فمن الأسباب المشروعة الممكنة لتوقي عدو الشياطين: الاستعاذة بالله السميع العليم، إذ قال تعالى: "وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ" هذا أولًا. وثانيا: عدم الاستجابة لما يزينه للعبد، وتركه والإعراض عنه. وثالثًا: لزوم الطهارة ما أمكن ذلك. ورابعا: قراءة القرآن في المنزل، وصلاة النافلة فيه. وخامسًا: تطهير المنزل من الصور، خاصة ما يعرض في الآلات كالفيديو والتلفاز من صور العواهر والكفار، وأصوات المزامير المختلفة، بهذا يُتقى الشيطان وإخوانه، ومن الأسباب الممكنة لتوقي شر العدو من الإنس:

1- عدم حسن الظن به، أي بالعدو الكافر دائما وأبدا.

2- إعداد العدة الحربية بحسب القدرة على ذلك لقوله تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ"

3- إسناد أمر القيادات الحربية إلى ذوي الكفاءات من القدرة البدنية، والعلمية الحربية والإيمانية الروحية.

4- وجود خبرة عسكرية كاملة وقيادة رشيدة مؤمنة حكيمة عليمة.

5- وجوب أخذ الأهبة، والاستعداد التام في أيام السلم، وأيام الحرب على حد سواء، لآية الأنفال: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ" وهذا يعرف بالسلم المسلح.

6- وحدة الكلمة ووحدة الصف، إذ الفرقة محرمة بقول الله تعالى: "وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ"

7- طاعة الله وطاعة رسوله بصورة عامة، وذلك بفعل الأوامر واجتناب المناهي في الحرب والسلم معًا، إذ الذنوب موجبة للعقوبة من الله تعالى، وقد تكون هزيمة بالعدو، والعياذ بالله.

8- في حال الهجوم يجب القيام بما يلي:

أ- الثبات وعدم التقهقر.ب- ذكر الله تعالى بالقلبواللسان.

وهذا لقوله تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (45) وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ"

ثم أخبر سبحانه عن ضعفاء الإيمان المتكاسلين عن الجهاد، في سبيل الله ضعفا وخورا وجبنا، هذا هو الصحيح على رأي الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله وقيل معناه ليبطئن غيره، أي يزهده عن القتال، وهؤلاء المنافقون: كعبد الله بين أبي وغيره، وهذا رأي كثير من المفسرين كابن كثير وابن جرير وغيرها.

ثم ذكر سبحانه غايات هؤلاء المتثاقلين ونهاية مقاصدهم، وأن معظم قصدهم الدنيا وحطامها فقال: "فَإِنْ أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ" أي هزيمة وقتل وظفر الأعداء عليكم في بعض الأحوال، لما الله في ذلك من الحكمة، قال ذلك المتخلف "قَالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُن مَّعَهُمْ شَهِيدًا" رأى من ضعف عقله وإيمانه أن التقاعد عن الجهاد الذي فيه تلك المصيبة –نعمة- ولم يدر أن النعمة الحقيقة هي التوفيق لهذه الطاعة الكبيرة، التي بها يقوى الإيمان ويسلم بها العبد من العقوبة والخسران، ويحصل له فيها عظيم الثواب ورضا الكريم الوهاب، وأما القعود فإنه وإن استراح قليلا، فإنه يعقبه تعب طويل وآلام، ويفوته ما يحصل للمجاهدين، ثم قال "وَلَئِنْ أَصَابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اللهِ" أي نصر وغنيمة "لَيَقُولَنَّ كَأَن لَّمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزًا عَظِيمًا" أي يتمنى أنه حاضر لينال من المغانم، ليس له رغبة ولا قصد في غير ذلك، كأنه ليس منكم –يا معشر المؤمنين، ولا بينكم وبينه المودة الإيمانية، التي من مقتضاها أن المؤمنين مشتركون في جميع مصالحهم ودفع مضارهم، يفرحون بحصولها ولو على يد غيرهم من إخوانهم المؤمنين، ويألمون بفقدها، ويسعون جميعا في كل أمر يصلحون به دينهم ودنياهم، فهذا الذي يتمنى الدنيا فقط، ليست معه الروح الإيمانية المذكورة.

ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب الأهبة والاستعداد التام للمسلمين من أعدائهم في السلم والحرب، قال تعالى: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال:60).

2- وجوب وجود خبرة عسكرية كاملة وقيادات رشيدة مؤمنة حكيمة للظفر بإذن الله على الأعداء.

3- وجود منهزمين روحيا متبطئين حسدة بين المسلمين، وهم ضعاف الإيمان، فينبغي أن لا يؤبه لهم ول يلتفت إليهم.