نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثلاثون (في وجوب الوضوء وبيان كيفيته ووجوب الغسل من الجنابة وبيان نواقض الوضوء وكيفية التيمم)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثلاثون (في وجوب الوضوء وبيان كيفيته ووجوب الغسل من الجنابة وبيان نواقض الوضوء وكيفية التيمم)
261 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثلاثون (في وجوب الوضوء وبيان كيفيته ووجوب الغسل من الجنابة وبيان نواقض الوضوء وكيفية التيمم)

النداء الثلاثون:

وجوب الوضوء وبيان نواقضه

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرءوسكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (المائدة:6).

موضوع الآية:وجوب الوضوء والغسل من الجنابة، وكيفيتهما، وبيان نواقض الوضوء، وكيفية التيمم

معاني الكلمات:

"إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ" : أي أردتم القيام إلى الصلاة وأنتم مُحْدِثُونَ أَيْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ.

"وُجُوهَكُمْ" : ما تقع به الواجهة، وحده طولا ما بين أعلى منبت شعر الرأس إلى منتهىاللحيين أو أسفل الذقن، وعرضا ما بين الأذنين.

"الْمَرَافِقِ" : جمع مرفق وهو مفصل الساعد أو الذراع من الأعلى والعضد من الأسفل.

"الْكَعْبَينِ" : هما العظمان الناتئان عند اتصال الساق بالقدم من الجانبين.

"جُنُبًا" : أصابتكم جنابة بجماع، أو إنزال مني يقظة أو منامًا. فَاطَّهَّرُوا : أي اغتسلوا.

"الْغَائِطِ" : كناية عن الخارج عن السبيلين من عذرة، أو ريح، أو بول، أو مذي.

"أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ" : كناية عن الجماع، وقيل اللمس بلذة.

"صَعِيدًا" : ترابا، أو حجرا، أو رملًا أو سبخة مما له غبار.

"حَرَجٍ" : المشقة والعسر والضيق.

سبب النزول:

روى البخاري عن عائشة رضي الله عنهما قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون بالمدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل، فثنى رأسه في حجري راقدًا، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس ماء فلم يوجد فنزلت "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ" إلى قوله "لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" وكان ذلك في غزوة المريسيع، فقال أسيد بن حضير: لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر.

وروى الطبراني عن عائشة قالت: لما كان من أمر عقدي ما كان، وقال أهل الإفك ما قالوا، أخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أخرى فسقط أيضا عقدي حتى حبس الناس على التماسه، فقال لي أبو بكر: بنية في كل سفر تكونين عناء وبلاء على الناس؟! فأنزل الله الرخصة في التيمم فقال أبو بكر: إنك لمباركة.

المناسبة:

للإنسان شهوات فطرية تنحصر في المطعومات والمناكحات له الحق في التمتع بها بنظام، وعليه واجبات يلزمه أداؤها.

وبعد أن بين سبحانه وتعالى للإنسان ما أحله له وما حرمه عليه من المطاعم والمناكح شرع في بيان ما يجب عليه أداؤه الله تعالى شكرا له على ما أنعم به عليه، فمضمون هذه الآية داخل فيما أمر به من الوفاء بالعقود وأحكام الشرع وفيما ذكر من إتمام النعمة ومنها رخصة التيمم، روى أبو داود الطيالسي وأحمد والبيهقي عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم "مفتاح الجنة الصلاة، ومفتاح الصلاة الطهور".

المعنى الإجمالي:

هذا النداء الإلهي العظيم قد اشتمل على علوم ومعارف ضرورية للمؤمنين، فاحفظه وافهمه واعمل بما فيه، فإنه ما وجهه الله تبارك وتعالى لعباده المؤمنين إلا ليطهرهم به، فإذا طهروا رضي عنهم وأرضاهم وجعل الجنة مأواهم، وإليك بيان ما تضمنههذا النداء من علوم معرفتها ضرورية لكل مؤمن ومؤمنة:

1- وجوب الوضوء على من أراد مناجاة الرب تبارك وتعالى بالوقوف بين يديه وذكره وتلاوة كتابه، والركوع والسجود له سبحانه وتعالى.

2- بيان كيفية الوضوء وهي: غسل الكفين ثلاثا، ثم المضمضة ثلاثا، ثم الاستنشاق والاستنثار ثلاثا، ثم غسل الوجه ثلاثا، وحده طولا من منبت الشعر المعتاد في الجبهة إلى منتهى الذقن، وعرضا من وتد الأذن اليمنى إلى وتد الأذن اليسرى، ثم غسل اليدين إلى المرفقين ثلاثا يبدأ باليمنى، ثم يمسح الرأس مع الأذنين مرة واحدة، ثم يغسل الرجلين إلى الكعبين يبدأ باليمنى؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يحب التيامن في كل شيء إلا في الدخول إلى المرحاض فإنه يقدم رجله اليسرى.

هذا مضمون قوله تعالى: "فاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ" أما غسل الكفين ثلاثا، والمضمضة والاستنشاق والاستنثارفقد بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

3-الأمر بالغسل من الجنابة لقوله تعالى: "وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا" أي اغتسلوا، والجنب هو من جامع امرأته فأدخل ذكره في فرجها ولولم ينزل منه ماء. ومثله من احتلم في منامه فخرج منه المني فهذا هو الجنب رجلا كان أو امرأة، والاغتسال هو أن يغسل كفيهثلاثا ناويا الغسل الواجب عليه، ثم يغسل قبله ودبره وما حولهما، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كما تقدم بيانه آنفا، ثم يخلل أصول شعر رأسه بالماء حتى لا يضره الماء البارد فيزكم، ثم يغسل رأسه مع أذنيه ثلاثا، ثم يغسل شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه، ثم الأيسر كذلك، وعليه أن يتتبع الأماكن التي ينبو عنها الماء كتحت الإبطين وتحت الركبتين، وكذا السرة. كما يخلل أصابع يديه ورجليه حال الوضوء.

4- نواقض الوضوء أو موجباته الدال عليها قوله تعالى: "أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ" إذ المجيء من الغائط معناه أنه تبول وتغوط، فمن بال أو أخرج فضلة الطعام وهي الخرء، أو فساء أو ضراط أو مس امرأته بشهوة، فإن كان متوضأ فقد انتقض وضوءه، وإنكان غير متوضئ وجب عليه الوضوء للصلاة أو الطواف أو مسالمصحف، ومن نواقض الوضوء: النوم الثقيل الذي لا يشعر صاحبه بخروج فساء منه، أو ضراط، وأكل لحم الجزور، ومس الذكر بباطن الكف.

5- وجوب التيمم لمن لميجد الماء للغسل أو للوضوء، أو وجده ولكن حاجته إليه ماسة كالشرب أو الطبخ لا سيما في حال السفر، أو وجده ولكن يمنع من استعماله خوف المرض أو زيادته أو عدم البرء منه.

6- كيفية التيمم: وهيأن يضرب كفيه قائلا: بسم الله، على التراب، فإن لم يجد فعلى الأرض أو الحجارة، ثم يمسح وجهه مرة واحدة، ثم يضرب كفيه أيضا مرة أخرى ويمسحيديه إلى المرفقين، وإن اكتفى بكفيه أجزأه ذلك لحديث عمار بن ياسر إذا قاله له رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنما يكفيك أن تفعل هكذا" ثمضرب بيديه الأرض ضربة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين، وظاهر كفيه ووجهه.

7- من لطفه تعالى ورحمته وإحسانه إلى عباده المؤمنين أنه لما أمرهم بالوضوء والغسل والتيمم عند انعدام الماء أو عدم القدرة على استعماله، لاطفهم بقوله سبحانه وتعالى: "مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ" أي عنت ومشقة، وإنما يريد طهارتكم ظاهرا وباطنا، وليتم نعمته عليكم بهدايتكم إلى الإسلام وبيان شرائعه ودعوتكم إلى القيام بها، إذ هي مصدر سعادتكم وكمالكم في الدارين، وليعدكم بذلك إلى شكره، إذ سر الحياة بكاملها هو ذكر الله تعالى وشكره، وذكره يكون بالقلب واللسان، وشكره يكون بالجوارح والأبدان، فالوضوء والغسل والتيمم من مظاهر الشكر لله تعالى على نعمة الإيجاد والإمداد. فاللهم اجعلنا لك من الذاكرين الشاكرين، وأعنا عليهم، وعلى حسن عبادتك يا رب العالمين.

وأخيرا أيها القارئ إليك هذه الجائزة العظيمة وهي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع طرفه إلى السماء وقال: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين، فتحت له أبواب الجنة الثمانية".

فاذكر هذا واعمله ولا تتركه، فإنه كنز ثمين وخير كثير، والسلام عليك ما واظبت وواصلت.

ما يستفاد من الآيات:

1- الأمر بالطهارة وبيان كيفية الوضوء والغسل والتيمم.

2- بيان الأعذار الناقلة للمؤمن من الوضوء إلا التيمم.

3- بيان موجبات الوضوء والغسل.

4- الشكر هو علة الإنعام.

فروض الوضوء ستة:

1- غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق.

2- غسل اليدين إلى المرفقين.

3- مسح جميع الرأس ومنه الأذنان.

4- غسل الرجلين مع الكعبين.

5- الترتيب.

6- الموالاة.

ويستحب تكرار غسل الوجه واليدين والرجلين ثلاث مرات، وهكذا المضمضة والاستنشاق، والفرض من ذلك مرة واحدة.

أما مسح الرأس فلا يستحب تكراره، كما دلت على ذلك الأحاديث الصحيحة.

نواقض الوضوء:

1- الخارج من السبيلين.

2- الخارج الفاحش النجس والجسد.

3- زوال العقل بنوم أو غيره.

4- مسح الفرج باليد قبلا كان أو دبرا من غير حائل.

5- أكل لحم الإبل.

6- الردة عن الإسلام أعاذنا الله من ذلك.

تنبيه:

(غسل الميت): الصحيح أنه لا ينقض الوضوء، وهو قول أكثر أهل العلم، لعدم الدليل على ذلك، لكن لو أصابت يد الغسل فرج الميت من غير حائل وجب عليه الوضوء.

والواجب عليه إلا يمس فرج الميت، إلا من وراء حائل، وكذا مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقا، سواء كان ذلك عن شهوة أو غير ذلك.