نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الخامس والستون (حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الخامس والستون    (حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم)
400 0

الوصف

  النداء الخامس والستون

  حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم  

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا﴾ (الأحزاب: 69). 

  * موضوع الآية:

في حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم وحرمة التشبه باليهود في أذية موسى عليه السلام. 

*  معاني الكلمات:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): يا من صدقوا بالله ورسوله ولقاء وما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم. 

 (لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى): أي لا تكونوا مع نبيكم كما كان بنو إسرائيل مع موسى عليه السلام وهم اليهود، إذ آذوه بقولهم: إنه ما منعه من الاغتسال معنا إلا أنه آدر. 

 (فَبَرَّأَهُ اللهُ مِمَّا قَالُوا): من كثير من التهم الباطلة التي سيأتي ذكرها. 

 (وَكَانَ عِنْدَ اللهِ وَجِيهًا): أي ذا جاه وقدر ووجاهة عند الله سبحانه، فلا يخيب له مسعى، ولا يرد له مطلبا. 

  * المناسبة:

بعد أن ذكر فيما سلف أن من يؤذي الله ورسوله يلعنه الله في الدنيا والآخرة، ولا شك أن هذا في الإيذاء الذي يؤدي إلى الكفر، وقد حصره الله سبحانه في النفاق ومرض القلب والإرجاف على المسلمين، أعقب ذلك بالإيذاء الذي لا يورث الكفر: كعدم الر  ضا بقسمة النبي صلى الله عليه وسلم للفيء، ونهى الناس عنه أيضًا، وذكر أن اليهود قد آذوا موسى، ونسبوا إليه ما ليس فيه، فبرأه الله منه؛ لأنه ذو كرامة ومنزلة لديه، فلا يلصق به ما ليس فيه، وما هو نقص فيه. 

*  المعنى الإجمالي:

ينادي الله سبحانه عباده المؤمنين بعنوان الإيمان؛ لأنه سبحانه لا يناديهم إلا ليأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم، وذلك رحمة بهم وإحسانا – إليهم من أجل أن يكملوا ويسعدوا، وهاهو ذا تعالى يناديهم: يا أيها الذين آمنوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولًا، يحذر تعالى عباده المؤمنين عن أذية رسولهم محمد صلى الله عليه وسلم النبي الكريم الرؤوف الرحيم، لئلا يقابلوه بضد ما يجب له من الإكرام والاحترام، وأن لا يتشبهوا بحال الذين آذوا موسى بن عمران كليم الرحمن، فبرأه الله مما قالوا من الأذية، أي أظهر الله لهم براءته، والحال أنه عليه الصلاة والسلام ليس محل التهمة والأذية، فإنه كان وجيهًا عند الله مقربًا لديه من خواص المرسلين ومن عباد الله المخلصين، فاحذروا أيها المؤمنون أن تتشبهوا بهم في ذلك. 

والأذية المشار إليها من قول بني إسرائيل عن موسى عليه السلام ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن موسى كان رجلًا حييًا ستيرًا، لا يرى من جلده شيئا، استحياء منه، فآذاه من آذاه من بني إسرائيل، فقالوا: ما يتستر هذا التستر إلا من عيب بجلده: إما برص وإما أدرة – انتفاخ الخصيتين- وإما آفة، وأن الله أراد أن يبرأه مما قالوا لموسى، فخلا يومًا وحد فوضع ثوبه على الحجر ثم اغتسل، فلما فرغ أقبل على ثيابه ليأخذها، و إن الحجر غدا وهرب بثوبه، فأخذ موسى عصاه وطلب الحجر، فجعل يقول: ثوبي حجر، ثوبي حجر، حتى مر على ملأ من بني إسرائيل فرأوه أحسن ما خلق الله عريانًا وأبراه مما يقولون"  ((البخاري (6 12)، وابن كثير المختصر (3/116). 

وما براءته من تهمة قتل أخيه هارون، فقد روى ابن أبي حاتم عن علي رضي الله عنه أنه صعد موسى وهارون الجبل جبل الطور، فمات هارون عليه السلام، فقال بنوا إسرائيل لموسى عليه السلام: أنت قتلته، كان ألين لنا منك، وأشد حياء. فآذوه من ذلك، فأمر الله الملائكة فحملته، فمروا به على مجالس بني إسرائيل، فتكلمت الملائكة بموته، فما عرف موضع قبره إلى الرخم، وأن الله تعالى جعله أصم أبكم. 

قال الرازي: وبالجملة الإيذاء المذكور في القرآن كاف، وهو أنهم قالواله: ( فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا) (المائدة: 24)، وقولهم: ( لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ جَهْرَةً) (البقرة: 55)، وقولهم: ( لَن نَّصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ) (البقرة: 61)، بل قالوا عن الله سبحانه ( إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ) (آل عمران: 181)، وقالوا ( يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا) (المائدة: 64). 

وزكوا أنفسهم وقالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، فقال سبحانه للمؤمنين، لا تكونوا أمثالهم إذا طلبكم الرسول صلى الله عليه وسلم إلى القتال أن تقولوا (فَاذْهَبْ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا) (المائدة: 24)، ولا تسألوا ما لم يؤذن لكم فيه (وإذا أمركم الرسول بشيء فأتوا منه ما استطعتم)، وكان موسى عليه السلام ذا قدر وجاه ومنزلة عند ربه، قال السحن البصري رحمه الله: كان مستجاب الدعوة عند الله – وقال غيره من السلف: لم يسأل الله شيئا إلا أعطاه، ولكن منع الرؤية لما يشاء عز وجل – هذا وقد أوذي رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعض المؤمنين.  ومن مظاهر إيذاء النبي صلى الله عليه وسلم:

1 - ما رواه البخاري ومسلم وأحمد عن عبد الله مسعود رضي الله عنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم قسمًا فقال رجل من الأنصار: إن هذه القسمة ما أريد بها وجه الله، فأحمر وجهه، ثم قال: "رحمة الله على موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر"  وروى أحمد عن ابن مسعود أيضًا قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه: "لا يبلغني أحد من أصحابي شيئًا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر  

 2 - ومرة أخرى – لَيَّهُ بثوبه الأقرع بن حابس، وقال له: هذه القسمة ما أريد بها وجه الله. فينا يا رسول الله. فرد عليه قائلا: "ويحك إذا لم أعدل أنا فمن يعدل؟" ثم قال: "رحم الله أخي موسى أوذي بأكثر من هذا فصبر".  

 3 - حادثة الإفك:

إذ هو أذى في عرضه وشرفه وعرض امرأته عائشة رضي الله عنهما وشرفها، وأنزل الله تعالى في براءة امرأته المؤمنين عائشة رضي الله عنها قرابة (17) آية والله الحمد، ومن العجيب أن المخدوعين المغرر بهم من الفرق الضالة مازالوا يلكون تلك الفرية ويلصقوها بأمام المؤمنين، مع أن الذي يكذب الله تعالى يكفر، فكفروا وهم لا يعلمون. 

*  ما يستفاد من الآية:

1- حرمة أذية رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول يكرهه أو بفعل لا يحبه. 

2- حرمة التشبه باليهود بإيذائهم موسى عليه السلام. أو بأي قول أو عمل أو بفعل يخالف كتاب الله سبحانه أو هدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وقا ابن تيمية رحمه الله: إن مشابهة أعداء الله في الظاهر يدل على حبهم في الباطن. 

3- أن أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام قد اصطفاهم واختارهم سبحانه من خلقه، فهم ذوو وجاهة وقدر ومنزلة عند الله سبحانه ومنهم موسى عليه السلام. 

4- ليحذر كل مؤمن ومؤمنة من أذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ذلك إثم عظيم ووزر كبير، عافانا الله وجميع المسلمين من ذلك.