نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس والعشرون (في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته والتحذير من ضده وهو الكفر)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس والعشرون (في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته والتحذير من ضده وهو الكفر)
217 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس والعشرون (في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته والتحذير من ضده وهو الكفر)

النداء السادس والعشرون:

وجوب الثبات على الإيمان

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا" (النساء:136).

موضوع هذه الآية: في وجوب الثبات على الإيمان وتقويته، والإيمان بالكتب السماوية والتحذير من الكفر.

معاني الكلمات:

(الإيمان): لغة: التصديق.

وشرعا: قول باللسان وتصديق بالجنان وعمل بالأركان، يزيد بالطاعة وينقص العصيان.

سبب النزول:

عن ابن عباس والكلبي أن هذه الآية نزلت في عبد الله بن سلام وَأَسَد وأُسَيْد ابني كعب وثعلبة بن قيس وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام ويامين بن يامين، إذ أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: نؤمن بك وبكتابك وبموسى وبالتوراة وعزير، ونكفر بما سوى ذلك من الكتب والرسل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بل آمنوا بالله ورسوله وكتابه القرآن وبكل كتاب قبله"، فقالوا: لا نفعل، فنزلت، قال: فآمنوا كلهم.

المعنى الإجمالي:

هذا النداء الإلهي يشمل المؤمنين حق الإيمان وهم ممن آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد نبيا ورسولا، فناداهم ربهم تعالى بعنوان الإيمان الذي هو صفتهم، ناداهم ليأمرهم بالثبات على إيمانهم وبتقويته وزيادته، حتى يبلغوا أعلى مستوى فيه، وهو اليقين، ويشمل المنافقين وهم مؤمنون في الظاهر كافرون في الباطن، وما أكثرهم في المدينة أيام نزول هذه السورة القرآنية الكريمة سورة النساء، أمرهم بأن يؤمنوا الإيمان الحق، وهو الإيمان بالله وبرسوله ولقائه، وبالملائكة والكتب، والرسل، واليوم الآخر، والقضاء والقدر، إذ الإيمان الظاهر دون الباطل كفر ونفاق، فمن رحمة الله بالعباد ناداهم بعنوان الإيمان، وأمرهم بالإيمان الحق لينجوا ويسعدوا.

كما يشمل هذا النداء مؤمني اليهود الذين يؤمنون ببعض الرسل ويكفرون ببعض، فقد روي أن عبد الله بن سلام، وأسدا وأسيدا ابني كعب، وثعلبة بن قيس، وسلام ابن أخت عبد الله بن سلام، وسلمة ابن أخيه، ويامين بن يامين أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله إنا نؤمن بك وبكتابك وبموسى والتوراة، ونكفر بما سواه من الكتب والرسل، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: "بل آمنوا بالله ورسوله محمد وكتابه القرآن، وبكل كتاب كان قبله"، فقالوا: لا نفعل، فنزلت هذه الآية فآمنوا كلهم، فهنيئا لهم ولمن قبل دعوة الحق مثلهم.

والآن قد عرفت أيها القارئ أن هذا النداء الإلهي قد شمل ثلاث طوائف:

الأولى: المؤمنون بحق وهم أهل الإيمان والإسلام والإحسان من أمة محمد عليه الصلاة والسلام.

والثانية: المؤمنون في الظاهر، الكافرون في الباطن، وهم المنافقون، وقد انقرضوا فلم يمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالمدينة منافق، إذ جلهم آمنوا ودخلوا في رحمة الله، ومات منهم عدد على نفاقه فهو في نار جهنم.

والثالثة: هم من اليهود الذين كانوا بالمدينة وقد آمن منهم من نزلت الآية فيهم، وقد تقدم ذكرهم وأسماؤهم فانظر إلى إعجاز القرآن وبلاغته، إذ لفظ آمنوا تناول ثلاث طوائف، لذا قيل: القرآن حمال الوجوه.

أما قوله تعالى: "وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ" فالمراد به القرآن والرسول هو محمد صلى الله عليه وسلم وسر تضعيف الزاي هو أن القرآن ما نزل جملة واحدة ولكنه نزل منجما نجما بعد نجم في ظرف ثلاث وعشرين سنة تقريبًا بحسب ما تدعو إليه حاجة الدعوة وأهلها. وسر عدم تضعيف الزاي في قوله تعالى: "وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِن قَبْلُ" أن المراد بالكتاب الكتب التي نزلت قبل القرآن وهي: التوراة والزبور والإنجيل، إذ (أل) في الكتاب للجنس، أي دالة على متعدد كلفظ الإنسان فإنه دال على عدد لا يحصيه إلا الله سبحانه وتعالى. فسر عدم تضعيف الزاي والعدول عن نزل إلى أنزل هو أن الكتب السابقة نزلت جملة واحدة بخلاف القرآن العظيم فإنه نزل منجما في خلال نيف وعشرين سنة.

أما قوله تعالى في هذا النداء: "وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ" فقد اشتمل على أركان الإيمان الستة الوارد بعضها في آية البقرة إلا ركن القضاء والقدر المذكور في سورة القمر فلم يذكر في هذه الآية الكريمة، ولنعلم أن الكفر يلزم ولو بعدم الإيمان بركن واحد بل ولو بجزء من ركن، كمن آمن بالرسل،ولم يؤمن بواحد منهم، أو آمن بالكتب ولم يؤمن بواحد منهم، بل لو لم يؤمن بآية واحدة يكفر بها. وقوله تعالى: "فَقَدْ ضَلَّ ضَلاَلًا بَعِيدًا" أي عن طريق الهدى الموصل بسالكه إلى سعادة الدنيا والآخرة.

وفي هذه الجملة من هذا النداء وعيد شديد، وتهديد عظيم، إذ من ضل ضلالا بعيدا لا يعود إلى الهدى بخلاف الضلال القريب، فإن صاحبه يرجى له أن يعود إلى الحق فينجو ويسعد، ينجو من النار ويدخل الجنة دار الأبرار، والضلال البعيد سببه الكفر بعد الإيمان، وأما الكفر المتوارث الذي لم يسبقه إيمان فضلال صاحبه قريب؛ ولذا متى بلغته الدعوة ووجهت إليه آمن وأسلم ونجا من عذاب الله، فلنذكر ولنتأمل والله ولي التوفيق.

ما يستفاد من الآية:

1- وجوب الاستمرار على الإيمان، وتقويته حتى الموت.

2- بيان أركان الإيمان، وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.

3- الوعيد الشديد لمن كفر بعد الإيمان، ووصفه بالضلال البعيد عن الهداية والاستقامة.