كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية (هل الرعد ملك من الملائكة؟ وكيف يسبح الله؟)

كتاب القرآن ونقض مطاعن الرهبان-الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية (هل الرعد ملك من الملائكة؟ وكيف يسبح الله؟)
134 0

الوصف

                                                    الفصل الأول نقض المطاعن الجغرافية

                                               (هل الرعد ملك من الملائكة؟ وكيف يسبح الله؟)

اعترضَ الفادي على حديثِ القرآنِ عن الرَّعْد. والذي وردَ في قولِه تعالى: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣)) .

كيفَ يُسبحُ الرعْدُ بحمدِ الله؟ وهل هو مخلوقٌ حَيّ يَتحركُ ويَتكلمُ ويُسبحُ اللهَ بلسانِه؟.

رَجَعَ الفادي إِلى تفسيرِ البيضاوي، ونَقَلَ عنه كَلاماً عَجيباً! قال: قالَ البيضاوي: " عن ابنِ عباس: سُئِلَ النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - عن الرَّعْد، فقال: " هو مَلَك مُوَكَّلٌ بالسَّحاب، معه مخاريقُ من نار، يَسوقُ بها السحابِ ".

(وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ) : من خوفِ اللهِ وإِجلاله.. وقيل: الضميرُ للرعد..

وأَخرجَ الترمذيُّ عن ابنِ عباس: " أَقبلت اليهودُ إِلى محمد، فقالوا: أَخْبِرْنا عن الرَّعد، ما هو؟ قال: هو مَلَكٌ من الملائكة، مُوَكَّلٌ بالسَّحاب، معه مَخاريقُ من نار، يَسوقُه بها حيثُ يَشاءُ الله.

قالوا: فما هذا الصوتُ الذي يُسْمَعُ؟ قال: زَجْرُه السَّحاب، حتى تَنْتَهي حيث أُمِرَتْ.  قالوا: صَدَقْتَ ".ونحنُ نَسأل: إِذا كانَ الرَّعْدُ هو الكهرباءَ الناشئةَ عن تَصادمِ السحاب، فلماذا يقول: إِنَّ الرعدَ هو أَحَدُ الملائكة؟ ! "

لم يكن الفادي أَميناً في النقلِ عن البيضاوي. حيث أسقط من كلامِه قِسْماً مُهِمّاً، وأَبْقى قِسْماً يوافقُ هدفَه في تخطئةِ القرآنِ.

قالَ البيضاويُّ: (وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ) : أَيْ: يُسَبحُ سامعوه. (بِحَمْدِهِ) : ملْتَبِسين به، فيضجّونَ بسبحانَ اللهِ والحمد لله أو يدلُّ الرعدُ بنفسِه على وحدانيةِ الله وكمالِ قدرتِه، ملْتَبِساً بالدلالةِ على فضْلِه ونزولِ رحمتِه ...

هذا هو رأيُ البيضاويِّ في معنى تسبيحِ الرعدِ بحمدِ الله، فإِمّا أَنْ يكونَ المعنى أَن الناسَ الذين يَسمعونَ الرعدَ يُسَبّحونَ الله، ويكونُ تسبيحُهم ملْتَبِساً ومقروناً بحمدِ الله، فيقولون: سبحانَ الله والحمدُ الله، وإِمّا أَنْ يكونَ صوتُ الرعدِ دالّاً على وحدانيةِ اللهِ وكمالِ قُدرتِه، ملْتَبِساً بالدلالةِ على فَضلِ اللهِ ونزولِ رحمتِه.

وهذا هو التفسيرُ الصوابُ لتسبيحِ الرعدِ بحمدِ اللهِ، وهو الذي يَقولُ به البيضا وي. وبعدما قَرَّرَ البيضاويُّ التفسيرَ الصوابَ أَرادَ أَنْ يذكُرَ قولاً آخَرَ هو عنده مرجوح، فأَوردَ روايةً عن ابنِ عباس رفعَها للنبيِّ - صلى الله عليه وسلم -، ذَكَرَ فيها أَنَّ الرعدَ أَحَدُ الملائكةِ، يسوقُ السحابَ وهو يَذْكُرُ اللهَ ويسبِّحُه.

ونَسَبَ الفادي إِلى البيضاويِّ روايةً لم يوردْها في تفسيرِه، وهي التي أَخرجَها الترمذيُّ في سننهِ، والتي فيها جوابُ الرسولِ - صلى الله عليه وسلم - لسؤالِ اليهودِ عن أَنَّ الرعْدَ أَحَدُ الملائكة، وصوتُ الرعدِ هو صوتُ الملَكِ يَزجُرُ به السحاب.

هذه الروايةُ لم تُذْكَرْ في تفسيرِ البيضاوي، وكان الفادي مفترياً عندما زَعَمَ وُجودَها في تفسيره. لم يذكر القرآنُ أَنَّ الرعْدَ مَلَكٌ يُسَبِّحُ اللهَ بلسانِه، - وأَنه يسوقُ السحاب، ويَصْرُخُ فيه ويَزْجُرُه، وهذا الزجْرُ والصراخُ هو الصوتُ الذي نسمعُه منه!.

وإنما وردَ هذا في روايةٍ منسوبةٍ لابنِ عباس، رَفَعها بدورِه لرسولِ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الروايةُ تَحتاجُ إِلى تخريج، المهمُّ أَنَّ القرآنَ لم يَقُلْ ذلك!.

وأَسْنَدَ القرآنُ إِلى الرعْدِ التسبيح، على طريقةِ القرآنِ المعجزةِ في التعبير، وهي " التصوير "، يَعرضُ فيها الأَفكارَ والمعاني بطريقةٍ مُصَوَّرَة، كأَنَّ القارئَ يرى أَمامَه صُوَراً حيةً متحركة، وليسَ مجردَ كلماتٍ وعبارات.

الرعْدُ صوتٌ مسموعٌ من السحاب، وهو ظاهرةٌ جويةٌ معروفة، ناشئةٌ عن تصادُمِ السحبِ في الجَوّ، وارتطامِها بعضها ببعض، وهو غيرُ ملموسٍ ولا مُجَسَّم، لكنَّ الآيةَ عرضَتْه بصورةٍ مجسَّمةٍ شاخصةٍ متخيَّلَة، حيثُ حَوَّلَتْه إِلى جسمٍ مادي، وشخصٍ حيّ، يتحركُ ويَتكلم، وله لسانٌ يُسَبِّحُ به ربَّه ويَحمدُه! وليس مجردَ صوتٍ قاصف، ناتجٍ عن ارتطامِ السُّحُب!!. وعندما يَسمعُ المسلمُ الآية، يَتَخَيَّلُ في خيالِه الرعد، رَجُلاً جالِساً وسْطَ السحاب، يَذْكُرُ اللهَ ويُسَبِّحُه ويَحمدُه، بصوتٍ عالٍ مرتفع!.

فالقرآنُ لم يُخطئْ عندما تكلَّمَ عن الرعد بهذه الطريقةِ المعجزة، وعَرَضَهُ في هذه الصورةِ الحيةِ المتحركة. لكنَّ الفادي الجاهلَ لا يَعرفُ طريقةَ القرآنِ في التعبير، ولا يستمتعُ بما فيه من روائعِ التصوير!!

أَما حديثُ الترمذيِّ عن ابنِ عباس فقد اختلفَ فيه العلماء، فمنهم مَنْ ضَعَّفَه، ومنهم مَنْ صَحَّحَه، وهذا أَمْرٌ حديثيّ لا يَعنينا هنا، لأَنَّ موضوعَنا هو القرآن!!.