نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السابع عشر (في حرمة التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدهم وسلوكهم)

الوصف
نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السابع عشر (في حرمة التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدهم وسلوكهم)
النداء السابع عشر:
التحذير من التشبه بالكافرين
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" (آل عمران: 156).
موضوع هذه الآية:
في تحذير المؤمنين من التشبه بالكافرين والمنافقين في عقائدههم وسلوكم، وحرمة ذلك.
المفردات:
"آمَنُوا" : صدقوا الله ورسوله فيما أخبرا به من وعد ووعيد. كَالَّذِينَ كَفَرُوا
: المنافقون بزعامة عبد الله بن أبي.
"لإِخْوَانِهِمْ" : يشمل أخوة النسب والدين، وهي هنا أخوة النفاق. ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ
: سافروا في الأرض للتجارة غالبًا.
"أَوْ كَانُوا غُزًّى" : أي مقاتلين في الحرب.
"لَّوْ كَانُوا عِنْدَنَا": أي مقيمين.
"لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ": القول في عاقبة أحدهم.
"حَسْرَةً" : أي ندامة وأسى وحزنا في قلوبهم. وهو ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب أو فقد محبوب.
"وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ": فلا يمنع الموت قعود.
"وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ": تهديد للمؤمنين على أن يماثلوهم، ووعيد للذين كفروا وما يعملون.
مناسبة الآية:
حذر الله سبحانه في الآية السابقة من وسوسة الشياطين التي أدت إلى الهزيمة يوم أحد، وحذر هنا من وساوس المنافقين والكفار أعوان الشياطين.
المعنى الإجمالي:
من مظاهر رحمة الله بالمؤمنين وإكرامه لهم، لأنهم أولياؤه بإيمانهم به وبلقائه وتقواهم له بفعل أوامره، واجتناب نواهيه، من مظاهر إكرامه لهم أنه لم يرض لهم أن يتشبهوا بأعدائه وأعدائهم وهم الكفرة المشركون والمنافقون، إذ ناداهم بعنوان الإيمان قائلا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا"
ونهاهم عن التشبه بالكافرين والمنافقين بقوله: "لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا" والكفر أقبح ذنب وأسوأه، أي لا تكونوا مثلهم في الكفر والنفاق، وفيما يتولد عنه من الظلم والخبث والشر والفساد وسوء الأخلاق، ومن ذلك قولهم لإخوانهم في الكفر والنفاق إذا ضربوا في الأرض أي خرجوا مسافرين في تجارة وغيرها وأصابهم حادث من خوف أو جوع أو مرض فماتوا، أو خرجوا غزاة مقاتلين فقتلوا في المعارك الجهادية، وهم من المؤمنين الصادقين بوصفهم مؤمنين في الظاهر وهم كافرون في الباطن،
إذ النفاق هو إظهار الإيمان وإخفاء الكفر في النفس، فقالوا لإخوانهم المنافقين في مجالسهم الخاصة: لو كان فلان وفلان وفلان عندنا ما خرجوا مسافرين غزاة مقاتلين، وما ماتوا وما قتلوا، فينتج لهم هذا القول حسب سنة الله تعالى الحسرة والندم والحزن والألم في نفوسهم، كما قال تعالى: "لِيَجْعَلَ اللهُ ذَلِكَ" أي حسب سنته "حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ" فنهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين عن التشبه بحال الكافرين والمنافقين، الظاهرة والباطنة حتى في السلوك النفسي الخفي، كهذا الذي هو قولهم لإخوانهم: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، لما ينتج ذلك من الحسرة التي هي ألم يأخذ بخناق النفس بسبب فوت مرغوب، أو فقد محبوب، والله تعالى لا يحب لأوليائه وصالحي عباده المؤمنين به وبلقائه والمطيعين له، ولرسوله، لا يحب لهم ما يؤذيهم من حزن أو حسرة أو ندم،
فلذا نهاهم عن التشبه بالكافرين بقوله: "لاَ تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَّوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا" ثم ذكرهم بقوله: "وَاللهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ" ليعلمهم أن الله تعالى هو الذي بيده الحياة والموت، فقد يحيي المسافر والغازي، ويميت المقيم في داره وبين أهله، والقاعد عن القتال دون غيره، إذ الأمر له وهو على كل شيء قدير، فلا معنى إذا لما يردده أولئك الكافرون من قولهم: لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا، إلا أن يجعل الله تعالى ذلك حسرة في قلوبهم.
وصدق من قال:
وَمَا الْمَالُ وَالْأَهْلُونَ إِلَّا وَدَائِعُ وَلَا بُدَّ يَوْمًا أَنْ تُرَدَّ الْوَدَائِعُ
هُوَ الْمَوْتُ مَا مِنْهُ مَلَاذٌ وَمَهْرَبُ إِذَا حُطَّ ذَا عَنْ نَعْشِهِ ذَاكَ يَرْكَبُ
وقد قيل أيضا:
وَإِذَا حُمِلَتْ إِلَى الْقُبُورِ جِنَازَةٌ فَاعْلَمْ بِأَنَّكَ بَعْدَهَا مَحْمُولُ
ألا فليحذر المؤمنون مثل هذا القول، فإنه قول باطل، ويجلب الألم والحسرة والعياذ بالله تعالى، كما يحذرون كل تشبه بالكافرين في الاعتقاد، والقول والعمل والصفات الظاهرة والباطنة.
وختم تعالى توجيهه لعباده المؤمنين بقوله: "وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" تأكيدا لنهيه لعباده المؤمنين عن التشبه بالكافرين في الظاهر والباطن لما فيه من الضرر والفساد وسوء الحال والمآل فأعلمهم أنه بصير بأعمالهم الظاهرة والباطنة، ألا فليعلموا ذلك وليحذروا التشبه بأعدائهم، وإلا فستحل العقوبة بهم كما حلت بغيرهم؛ لأن الله تعالى سننا لا تتبدل ولا تتحول.
هذا ولنذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من تشبه بقوم فهو منهم" فمن تشبه بالصالحين فهو صالح، ومن تشبه بالفاسدين فهو فاسد؛ لأن سنة الله تعالى في أن من رغب في شيء وطلبه بجد ورغبة حصل عليه، وفاز به، وما تشبه أحد بآخر إلا لرغبة في نفسه أن يكون مثله فهو كائن إذا لا محالة، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: "من تشبه بقوم فهو منهم".
وأخيرا أيها القارئ لهذا النداء وما حواه من النهي عن التشبه بالكافرين في الاعتقاد والقول والعمل والفهم، وحتى الذوق، فاحذر أن يراك الله تعالى تتعمد التشبه بالكافرين، فإن عذاب الله شديد، واذكر قوله: "وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" ولا تغفل عنه ولا تنسه.
ما يستفاد من الآية:
1- نداء الله لعباده المؤمنين تكريم وتلطف بهم وترفع بهم عن سفاسف الأمور في العقائد والأخلاق والسلوك ونحو ذلك؛ لأن المؤمن هو المستجيب لأمر الله والمنتهي عن نهيه.
2- تحذير المؤمنين من التشبه بالكفار والمنافقين ظاهرا وباطنا وحرمة ذلك.
3- الندم يولد الحسرات، والحسرة غم وكرب عظيمان، والمؤمن يدفع ذلك بذكره القضاء والقدر، فلا يأسى على ما فاته، ولا يفرح بما آتاه من حطام الدنيا.
4- وجوب الإيمان بالقضاء والقدر.