نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثامن عشر (في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثامن عشر (في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح)
575 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثامن عشر (في الأمر بالصبر والمصابرة والرباط، والتقوى رجاء الفلاح)

النداء الثامن عشر:

الصبر والمصابرة

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (آل عمران:200).

معاني الكلمات

المرابطة فهي المداومة في مكان العبادة والثبات. وقيل: انتظار الصلاة بعد الصلاة، قاله مجاهد وابن عباس وسهل بن حُنَيف، ومحمد بن كعب القُرَظي، وغيرهم.

وقال القرطبى: "والقول الصحيح هو أن الرباط هو الملازمة فى سبيل الله - وأصلها من ربط الخيل ، ثم سُمِّي كُلُّ ملازم لثغر من ثغور المسلمين مرابطا فارسا كان أو راجلا، واللفظ مأخوذ من الربط،

وقول النبى صلى الله عليه وسلم " فذلكم الرباط " إنما هو تشبيه بالرباط فى سبيل الله " .

وقوله "واتقوا الله لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" أى اتقوا الله بأن تصونوا أنفسكم عن محارمه وعن مخالفة أمره ، ورجاء أن يكتب لكم الفوز بالنصر فى الدنيا ، والثواب الحسن فى الآخرة .

موضوع الآية: في الصبر والمصابرة والرباط والتقوى رجاء الفلاح.

المعنى الإجمالي:

ينادي الله سبحانه وعباده المؤمنين لأنهم أحياء بإيمانهم بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا.

والحي إذا نودي سمع، وإذا أمر أطاع، وإذا نهي انتهي، وإذا أنعم عليه شكرا، وإذا أوذي في الله صبر، والكافر لا نصيب له من هذه المظاهر الحيوية، وذلك لكفره بالله ورسوله ودينه.

ناداهم الله سبحانه بالصبر والمصابرة والرباط والتقوى.

1- الصبر، وهو حبس النفس على ما تكره، وله ثلاثة مواطن:

أ- الصبر على طاعة الله ورسوله وأولي الأمر من المؤمنين.

ب- الصبر عن ترك ما حرم الله ورسوله من الأقوال والأفعال والصفات.

ج- الصبر على البلاء الذي يبتلي الله تعالى عباده المؤمنين تكفيرا لذنوبهم، أو رفعا لدرجاتهم. والصبر على البلاء معناه: الرضا به والتسليم لله تعالى فيما ابتلاه به، وآية ذلك عدم الجزع والسخط والإكثار من حمد الله تعالى على قضائه وابتلائه.

2- المصابرة، وهي الصبر في وجه العدو الصابر، فأيهما لم يثبت على صبره سقط وهلك؛ ولذا كان النجاح والغلبة لأيهما أطول صبرا، يؤكد هذا قول زفر بن الحارث في اعتذاره عن الانهزام، إذ قال شعرا:

سَقَيْنَاهُمْ كَأْسًا سَقَوْنَا بِمِثْلِهَا         وَلَكِّنَّهُمْ كَانُوا عَلَى الْمَوْتِ أَصْبَرَا

3- المرابطة، وهي لغة مصدر رابط يرابط مرابطة، وهي في الشرع: الأماكن التي يخشى أن يتسرب منها العدو إلى بلاد المسلمين، المدن، كما تكون في حدود بلاد العدو المتصلة بالبلاد الإسلامية. والرباط فرض كفائي إذا قام من يؤمن حدود بلاد المسلمين ويرهب عدهم سقط الواجب عن الباقيين، إذ هو كالجهاد، سورة الأنفال: "وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ" (الأنفال:60).

وقال بعضهم: أراد بقوله "وَرَابِطُوا" انتظار الصلاة بعد الفراغ من التي قبلها؛ لما روى مالك في الموطأ عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر انتظار الصلاة وقال: "فذلكم الرباط، فذلكم الرباط، فذلكم الرباط" قال ابن عطية: والحق أن ذلك على التشبيه كقوله: "ليس الشديد بالصرعة".

وللرباط فضل عظيم، فقد روى البخاري عن أنس رضي الله عنه قوله: "رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها". وروى مسلم عنه صلى الله عليه وسلم: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه" وأن من مات مرابطا جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن من الفتان أي في قبره.

واعلم أن الجيوش الإسلامية اليوم إن هم أقاموا الصلاة في ثكناتهم واتقوا الله فلم يعصوه بترك واجب أو فعل مكروه، ثم نووا الرباط في سبيل الله لحماية بلاد المسلمين فإنهم مرابطون، ويجري لهم كل ماورد في فضل الرباط والمرابطين.

4- التقوى، وهي تقوى الله عز وجل بالخوف منه والخشية من عقابه وأليم عذابه، الحاملة للعبد على طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم بفعل الأوامر واجتناب النواهي في السراء والضراء، والمنشط والمكره، والعسر واليسر، وهذه التقوى هي التي بها وبالإيمان يتحقق للعبد ولاية الرحمن، وما بعد ولاية الرحمن من مطلب أسمى ومقام أعلى، إذ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا في الدنيا ولا في البرزخ ولا في يوم القيامة، ولهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة.

وبعد أيها المسلم: تذكر أن هذه الأوامر الأربعة التي تضمنها هذا الندء الكريم: أن الله تعالى وعد أهلها الفلاح، وما هو الفلاح! إنه الفوز العظيم المتمثل في دخول الجنة بعد النجاة من النار، وهذه الأوامر الأربعة العمل بها تزكية للنفوس وتطهير من أوضار الذنوب والآثام فإذا زكت نفسها وطهرت استحقت الفلاح، قال تعالى: "قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا (9)وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" (الشمس:9-10)، ومن الفوزقوله تعالى: "كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ" (آل عمران: 185).

ما يستفاد من الآيات

1 – أن الصبر مع التقوى مفتاح الفوز بالفلاح في الدنيا والآخرة

2 – ضرورة التحلي بالصبر على الطاعات والصبر عن المعاصي

3 - على المؤمن أن يتدرج في مدارج الإيمان بالصبر ثم المصابرة ثم المرابطة عليه صعودا إلى أعلى درجات التقوى