نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الحادي والعشرون (في حرمة الصلاة حال السكر وحرمة الصلاة والمكث في المسجد حال الجنابة ومشروعية التيمم للعذر)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الحادي والعشرون (في حرمة الصلاة حال السكر وحرمة الصلاة والمكث في المسجد حال الجنابة ومشروعية التيمم للعذر)
266 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الحادي والعشرون (في حرمة الصلاة حال السكر وحرمة الصلاة والمكث في المسجد حال الجنابة ومشروعية التيمم للعذر)

النداء الواحد والعشرون:

تحريم الصلاة حال السكر

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيِكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا" (النساء:43).

موضوع هذه الآية:

تحريم الصلاة حل السكر، ومشروعية التيمم عند فقد الماء.

المفردات:

"لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ" : أي لا تدنوا، كناية عن الدخول فيها. 

"سُكَارَى" : من شرب الخمر فغطى عقله.

"تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ" : لزوال السكر عنكم بعد شربه عن وقت الصلاة، وهذا كان قبل تحريم الخمر وسائر المسكرات.

"وَلاَ جُنُبًا" : الجنب من كانت به جنابة من جماع أو احتلام.

"عَابِرِي سَبِيلٍ" : مارين بالمسجد مرورًا بدون جلوس.

"الْغَائِطِ" : المكان المنخفض من الأرض للتغوط والتبرز فيه.

"لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ" : أي جامعتموهن.

"فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا" : اقصدوا ترابا طاهرا.

"عَفُوًّا" : لا يؤاخذ على كل ذنب.

"غَفُورًا" : كثير المغفرة لذنوب عباده التائبين.

سبب نزول هذه الآية:

حسب ما رواه الترمذي رحمه الله أن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أقام مأدبة لبعض الصحابة فأكلوا وشربوا، وحضرت الصلاة فقاموا لها، وتقدم أحدهم يصلي بهم، فقرأ سورة الكافرون وكان سكرانا، فقرأ قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون، وهذا باطل، وواصل قراءته بحذف حروف النفي، فنزلت "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى" والخمر إذ كانت يومئذ حلالًا فنسخت هذه الآية، حيث نزل تحريم الخمر مطلقا في الصلاة وغيرها.

سبب نزول قول الله تعالى "فَتَيَمَّمُوا" : أخرج الفريابي وابن أبي حاتم وابن المنذر عن علي رضي الله عنه قال: نزلت هذه الآية قوله "وَلاَ جُنُبًا" في المسافر تصيبه الجنابة فيتيمم ويصلي.

المعنى الإجمالي:

اعلم أيها القارئ الكريم أن هذا النداء يحوي أحكامًا عدة ومعرفتها واجبة وها أنذا أفصّلها لك تفصيلا، فاحفظ النداء أولًا ثم أقبل على معرفة ما فيه من أحكام فقهية ضرورية، واعمل بها وعلمها غيرك، تظفر بشرف العظمة في السماء لما رواه مالك "أن من علم وعمل بما علم وعلمه غيره دعي في السماء عظيما" وإليك بيان الأحكام:

1- حرمة الصلاة حال السكر. وهذا الحكم نسخ بآية تحريم شرب الخمر من سورة المائدة فلم يجز شرب الخمر بحال من الأحوال. وعلى فرض أن من شربها فاسق فلا يدخل في الصلاة وهو سكران، إذ وضوءه باطل فلا تصح صلاته.

2- حرمة الصلاة على الجنب والحائض والنفساء إلا بعد الغسل أو التيمم. وكذلك دخول المسجد، ولا بأس بالمرور فيه بدون جلوس. وهذان الحكمان دل عليهما قوله تعالى: "لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا" أي غسل الجنابة.

3- المريض، والمسافر، والذي انتفض وضوءه ببول أو غائط، أو ضراط، أو فساء، والجنب بجماع أو احتلام هؤلاء إذا لم يجدوا ماء للوضوء أو الغسل عليهم أن يتيمموا ويصلوا أو يدخلوا المسجد دل على هذين الحكمين قوله تعالى: "وَإِنْ كُنْتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّن الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا"

4- بيان كيفية التيمم وهو أن يضع المتيمم كفيه قائلًا: بسم الله على التراب الطاهر، فإن لم يكن فعلى حجر فطري ليس مصنوعًا ويمسح وجهه، ثم يضع يديه أيضًا على التراب أو الحجر ويمسح كفيه. وكان ابن عمر يمسح مع كفيه ذراعيه وهو جائز. ودل على كيفية التيمم هذه قوله تعالى: "فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيِكُمْ"

وقوله تعالى: "إِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوًّا غَفُورًا" فيه إظهار لرحمة الله بالمؤمنين وعفوه عن مُسيئهم، إذ الآية نزلت فيمن صلوا وهم سكارى قبل تحريم الخمر رحمة بهم فلم ينزل بهم عقوبة وغفر لهم ذلك الذنب الذي ارتكبوه بغير قصد.

وإن سألت عن كيفية الاغتسال، فاعلم أن الجنب يصب الماء على كفيه قائلا: بسم الله، ناويا رفع الحدث الأكبر أي الغسل من الجنابة، ثم يغسل فرجيه القبل والدبر وما حولهما، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وهو أن يغسل كفيه ثلاثا، ثم يتمضمض ثلاثا، ثم يستنشق ويستنثر ثلاثا، ثم يغسل وجهه ثلاثا، ثم يغسل يده اليمنى إلى المفرق ثلاثا، ثم اليسرى ثلاثا، ثم يمسح رأسه، وأذنيه مرة واحدة، ثم يغسل رجله اليمنى، ثم اليسرى إلى الكعبين، وهذا هو الوضوء فاعرفه، ثم يخلل شعر رأسه بكفيه، ثم يغسل رأسه كله ثلاث مرات، ويغسل أذنيه ظاهرا وباطنا، ثم يغسل شقه الأيمن من رأسه إلى قدمه، ثم الأيسر كذلك، بحيث يعمم الماء على كل جسده فلا يترك لمعة أبدا، بهذا عرفت كيفية الغسل والوضوء معًا.

وأخيرا أيها القارئ الكريم هل تعرف معنى الجنب؟ إنه الرجل أو المرأة إذا جامع، أو احتلم فخرج المني أصبح جنبا أي به جنابة. وهل عرفت معنى الغائط؟ إنه مكان التغوط أي التبول والخرء. وهل عرفت معنى أو لامستم النساء؟ إنه الجماع. وهل عرفت موجبات الوضوء أو نواقضه؟ إن الوضوء يجب من الخارج من السبيلين القبل والدبر وهو البول والخرء، والريح والضراط، ومن مس المرأة بشهوة، وكذا مس الذكر، والنوم الثقيل. فهذه موجبات الوضوء وهي نواقضه أيضا فاعرف هذا. واعلم أن من تيمم لعدم وجود الماء ، أو لمرض يمنعه من مس الماء أو الحصول عليه، فإنه يتيمم لكل صلاة، وإن تيمم للفرض صلى به النوافل القبلية والبعدية معًا، فاعرف هذا زادك الله علما.

ما يستفاد من الآية:

1- تقرير مبدأ النسخ للأحكام الشرعية في القرآن والسنة.

2- حرمة مكث الجنب في المسجد وجواز العبور بدون مكث.

3- حرمة الصلاة على السكران، وهذا كان قبل تحريم الخمر، (حيث نسخ آية تحريم): فقد فهم الصحابة رضي الله عنهم أن الممنوع قربان الصلاة في حال السكر، فكانوا يمتنعون من شرب المسكر إلى ما بعد العشاء، فإذا صلوا شربوا، فقال عمر رضي الله عنه: اللهم بين لنا في الخمر بيانا شافيا. فنزلت آية المائدة "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة:90)، فتركوا الشراب كله.

5- تيسير الله سبحانه لعباده: أن التيمم يقوم مقام الماء عند فقد الماء أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه.

6- بيان كيفية التيمم، وهو أن يضرب بيديه الأرض ضربة واحدة يمسح بهما وجهه وكفيه.