نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث والثلاثون (في الأمر بتقوى الله - عز وجل - وطلب الوسيلة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث والثلاثون (في الأمر بتقوى الله - عز وجل - وطلب الوسيلة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله)
292 0

الوصف

نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء الثالث والثلاثون (في الأمر بتقوى الله - عز وجل - وطلب الوسيلة إلى الله تعالى والجهاد في سبيله)

النداء الثالث والثلاثون:

أساس الفلاح في الدنيا والآخرة

قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" (المائدة:35).

موضوع الآية: التقوى والعمل الصالح والجهاد أساس الفلاح في الدنيا والآخرة.

معاني الكلمات:

"اتَّقُوا اللهَ" : خافوا عقابه بأن تطيعوا أوامره وتجتنبوا نواهيه.

"وَابْتَغُوا" : اطلبوا.

"إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" : ما يتوصل به إلى رضوان الله، أو يقربكم إليه من طاعته –فالوسيلة: القربة التي ينبغي أن يطلب بها –وتطلق أيضا على أعلى منزلة أو درجة في الجنة.

"وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ" : أنفسكم بحملها على أن تتعلم وتعمل وتعلم –أعداءه بدعوتهم إلى الإسلام وقتالهم على ذلك للإعلاء دينه.

"لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" : تفوزون.

مناسبة الآية لما قبلها:

بعد أن أبان الله تعالى حسد اليهود ومكرهم وهمهم الفتك برسول الله صلى الله عليه وسلم وقتلهم الأنبياء فَنَّدَ ادعاءهم بأنهم أبناء الله وأحباؤه أمر المؤمنين بالتقوى والتقرب إليه بصالح الأعمال، ولا يتكلوا على مثل مزاعم أهل الكتاب.

المعنى الإجمالي:

في هذا النداء أمر من الله تعالى لعباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان من تقوى الله والحذر من سخطه، وغضبه، وذلك بأن يجتهد البعد ويبذل ما يمكنه المقدور في اجتناب ما يسخطه الله من معاصي القلب واللسان والجوارح الظاهرة والباطنة، ويستعين بالله على تركها، لينجو بذلك من سخط الله وعذابه - "وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ" أي القرب منه والحظوة لديه والحب له، وذلك بأداء فرائضه القلبية كالحب له وفيه والرجاء والإنابة والتوكل، وفرائضه البدنية كالزكاة والحج. والمركبة من ذلك: كالصلاة ونحوها من أنواع القراءة والذكر. 

ومن أنواع الإحسان إلى الخلق بالمال والعلم والجاه والبدن والنصح لعباده، فكل هذه الأعمال تقرب إلى الله، ولا يزال العبد يتقرب لها إلى الله حتى يحبه، فإذا أحبه كان سمعه الذي سمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ويستجيب الله له الدعاء، ثم خص تبارك وتعالى من العبادات المقربة إليه الجهاد في سبيله، وهو بذل الجهد في قتال الكافرين بالمال والنفس والرأي واللسان والسعي في نصر الله بكل ما يقدر عليه العبد؛ لأن هذا النوع من أجل الطاعات وأفضل القربات، ولأن من قام به فهو على القيام بغيره أحرى وأولى.

التوسل إلى الله:

روى ابن جرير عن قتادة أنه قال في تفسير الآية: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. وروى أحمد والبخاري وأصحاب السنن من حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قال حين يسمع النداء – الأذان-: اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة".

وروى أحمد ومسلم من حديث عبد الله بن عمر أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا علي، فإنه من صلى عليه صلاة صلى الله عليه عشرا، ثم سلوا لي الوسيلة فإنها منزلة في الجنة لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت له الشفاعة" –فالوسيلة أعلى منزلة في الجنة –وهي منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم ودراه في الجنة.

معاني التوسل

1- التوسل إلى الله تعالى بطاعته والتقرب إليه بفعل ما يرضيه، وهذا فرض حتم، وبه جاءت الشرائع، وهو أساس الدين، وعلى هذا يحمل توسل أهل الصخرة الثلاثة، فإنهم توسلوا إلى الله عز وجل بصالح الأعمال، أي طلبوا الفرج بصلاح أعمالهم، ولاشك أن الأعمال الصالحة سبب لثواب الله تعالى لنا، ولم يتوسلوا بذوات الأشخاص.

2- التوسل بالمخلوق والاستعانة بمعنى طلب الدعاء منه إذا كان حيًا قادرًا.

يروى أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله عنه لما استأذنه في العمرة: "لاتناسنا يا أخي من دعائك" وأمره أيضا أن يطلب من أويس القرني رحمه الله أن يستغفر له.

وثبت أن عمر رضي الله عنه قال في الاستسقاء: اللهم إنا كنا إذا أجدبنا توسلنا إليك بنبينا فتسقينا، وأنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. أي بدعائه لا بذاته وشخصه.

والخلاصة:

أن الدعاء لله تعالى يكون مباشرة وبلا واسطة، إذ لا يحتاج الله إلى الوسطاء بالنص القرآني القطعي الدلالة، وهو قوله تعالى: "وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ" (غافر:60)، وقوله: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ" وقوله تعالى "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" (الفاتحة:5).

وروى الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.

عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال له: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سَأَلْتَ فاسأل الله، وإذا اسْتَعَنْتَ فاستعن بالله".

وهذا الحديث بعد الآيات نص صريح واضح يوجب الاستعانة بالله تعالى وحده دون سواه.

ولم يؤثر عن صاحبي ولا تابعي ولا أحد من علماء السلف أن الوسيلة هي التقرب إلى الله بغير ما شرعه الله للناس من الإيمان والعمل الصالح كالدعاء ونحوه.

ولكن: جَدَّ في القرون الوسطى التوسل بأشخاص الأنبياء والصالحين أي جعلهم وسائل إلى الله تعالى، والإقسام بهم على الله، وطلب قضاء الحاجات ودفع الضر وجلب النفع منهم عند قبورهم أو بعيدا عنهم.

وهذا مخالف لقوله سبحانه وتعالى، والإقسام بهم على الله، وطلب قضاء الحاجات ودفع الضر وجلب النفع منهم عند قبورهم أو بعيدا عنها.

وهذا مخالف لقوله سبحانه: "وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَدًا" (الجن:18)، وقوله: "إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ" (الأعراف:194)، وقوله "يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ (13) إِن تَدْعُوهُمْ لاَ يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلاَ يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ" (فاطر:13-14).

واعلم أيها المسلم أنه شاع بين المسلمين أنواع من الشرك، سموها وسيلة، وذلك لغلبة الجهل في الأمة الإسلامية – إذ العدو الكافر أبعدهم ولا زال يبعدهم بشتى الوسائل عن مصدر العلم والمعرفة، وهو الكتاب والسنة، فأصبح القرآن يقرأ على الموتى فقط، والسنة تقرأ للبركة لا غير، لا لاستنباط الأحكام الشرعية والآداب والأخلاق الإسلامية – ومن الأمور الشركية التي أطلقوا عليها اسم الوسيلة ووقع فيها الجهال وغيرهم:

1- دعاء الأموات والاستغاثة بهم، كأن يقول: يا سيدي فلان أنا بك وبالله. ادع الله لي. سل الله لي في قضاء حاجتي.. الخ.

2- الذبح للأولياء، وكأن يذبح الشاة على القبر، أو يقول: هذه على روح سيدي فلان.

3- النذر للأولياء، كأن يقول: يا سيدي فلان إذا قضى الله حاجتي ذبحت لك شاه. أو أنرت ضريحك بشمع ونحوه.

4- الحلف بالأولياء نحو: وحق سيدي فلان أو ورأس سيدي فلان.

5- نقل المرضى إلى أضرحتهم للتبرك بهم والتمرغ على تربتهم ودعائهم وطلب الشفاء منهم، كل هذا شرك يسمونه توسلًا إلى الله تعالى بعباده الصالحين، فاحذر ذلك أيها المسلم، وتب إلى الله، وأنب إليه تسعد وتفلح.

كل هذا الشرك يسمونه توسلا إلى الله تعالى بعباده الصالحين، فاذكر هذا واحذره، واعلم أن التوسل إلى الله (عز وجل) يكون بفعل الخيرات، والإكثار من الطاعات من أجل رفع الدرجات، والظفر بالرغائب المحبوبات.

هذا واعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن له درجة في الجنة تسمى الوسيلة، وهي أقرب منزل إلى عرش الرحمن، وأن من سألها من الله تعالى له نالته شفاعته كما مر في الحديث قبل قليل

وقوله تعالى في آخر النداء: "وَجَاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" هذا الأمر الثالث في هذا النداء، وهو الأمر بجهاد الكفار لإدخالهم في الإسلام رحمة بهم، حتى ينجو من الخلود في عذاب النار، وهناك جهاد آخر يدخل تحت هذا الأمر، ألا وهو جهاد الفساق بأمرهم ونهيهم، وجهاد الشيطان بلعنه وعدم الاستجابة له فيما يزين من القبائح، ويحسّن من المنكرات، وجهاده بعدم الاستجابة له، والتعوذ بالله منه، وجهاد النفس وهو أشدها وحقيقته: أن يحمل العبد نفسه على أن تتعلم محاب الله، وتعمل بها، وتتعلم مكاره الله وتتجنبها، وتعلم غيرها ذلك من المؤمنين والمؤمنات، والجزاء على هذا الجهاد هو ما واعد الرحمن به بقول: "لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" والفلاح هو النجاة من النار ودخول الجنة دار الأبرار. جعلنا الله تعالى من أهلها آمين.

الوسائل إلى الله بعدد أنفاس الخلائق

الوسائل التي تقرب إلى الله عز وجل لا تعد ولا تحصى، ووردت كلمة الوسيلة في الآية مفردة لأنها اسم جنس، واسم الجنس لا يجمع، فإذا أديت العبادات التي فرضت عليك فأداء هذه العبادات وسيلة، وإذا أطعمت هرة فهذا العمل وسيلة، وإذا سقيت كلبًا فهذا العمل وسيلة، فلقد غفر الله لامرأة بغيّ لأنها سقت كلبًا كاد يأكل الثرى من العطش، ولو كنت في الطريق وأمطت الأذى عن المسلمين لقَبِل الله هذا العمل وكافأك عليه، ولو أحسنت تربية أودلاك وفق منهج الله، وأخلصت في النصيحة للمسلمين، كنت أبًا كاملًا، وزوجًا وفيًا، وموظفًا مخلصًا، وتاجرًا صدوقًا، ومعلمًا ناصحًا، وطبيبًا مخلصًا، ومحاميًا صادقًا، فإنك ابتغيت بذلك إلى الله وسيلة.

ولو أردت – أيها المؤمن – أن تعدد أنواع الوسائل التي تقرب إلى الله عز وجل لعجزت، قال ابن القيم: الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق، والطريق إليه سبحانه مهيئة وميسرة، في حين أنك لو أردت أن تقابل مسؤولًا، فإنك تحتاج إلى الكثير من المحطات لتصل إليه.

إنّ الأعمال الصالحة المتاحة لكل واحد منا ليتقرب بها إلى الله لا تعد ولا تحصى، ومنها أن تغض البصر في الطريق عن محارم الله، وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، ولا تبتز أموال الناس إذا كنت موظفًا، بل تخدمهم، وتتقرب إلى الله بخدمتهم، وتيسر لهم السبل. فالمعلم في مدرسته، والطبيب في عيادته، والمهندس في مكتبه، والتاجر في محله، والمزارع في حقله، كلهم يسر الله لهم الطرائق إليه بعدد أنفاس الخلائق.

وقال بعض العلماء إن صحبة الصالحين من أكبر هذه الوسائل والطرائق، فالإنسان يتأثر ببيئته ومجتمعه وأصدقائه، من هنا قال الله عز وجل: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ (119)" (التوبة: 119)، وقال تعالى: "وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)" (الكهف: 28).

إنّ من يعمل صالحًا يشعر بقرب من الله تعالى، وبأن الله يحميه ويؤيده، وحين تكون في صحبة الصالحين والمؤمنين، فإنك تكون في جو إيماني، مع إخوة كرام أطهار، صادقين، يحبون الله، وعندهم حياء وخجل، وترتاح معهم، وتأنس بهم، وتتحمس في علاقاتك معهم، وتتمنى أن تكون من المتفوقين في عمل الآخرة، وتتألق نفسك في معرفة الله، فأولياء أمتي إذا رؤوا ذكّر الله بهم.

وقد استخدمت كلمة حرب في القرآن مرتين؛ مرة لمن يأكل الربا، قال تعالى: "فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ" (البقرة: 279)، ومرة في هذا الحديث القدسي الصحيح: (من عادى لي وليًّا فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ من أداء ما افترضته عليه)، (رواه البخاري عن أبي هريرة).

ولك أن تتصور أخي المؤمن مصيرك إذا كان الله عز وجل هو الذي يحاربك، وتذكر إذا كنت في خندق يعادي الحق مَنْ تعادي. إنك تعادي الخالق عز وجل، الذي سترجع إليه يوم القيامة ليحاسبك على كل ما قمت به في حياتك من خير أو شر.

ومن أكبر الوسائل التي تصل بها إلى الله هي أن تؤدي العبادات فرائض ونوافل، قال صلى الله عليه وسلم:

(وما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه)

(رواه البخاري عن أبي هريرة)، فتارة يصلي هذا العبد قيام الليل، وتارة يقرأ القرآن، وتارة يغض بصره عن محارم الله، وتارة ينصح إخوانه الصادقين، وتارة يحضر درس علم، وتارة يقرأ كتابًا، وتارة يطعم فقيرًا، وتارة يرعى يتيمًا، وتارة يتبرع لبناء مسجد. وإذا أحبك الله فإنك تستغني بهذا الحب عن كل شيء. قال صلى الله عليه وسلم:

(ابن آدم اطلبني تجدني، فإذا وجدتني وجدت كل شيء، وإن فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شيء، وأنا أَحَبُّ إليك من كل شيء)

(مختصر تفسير ابن كثير).

وقال الشاعر:

فَلَيتَكَ تَحلو والحَياةُ مَريرَةٌ         وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ

وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ         وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ

وَلَيتَ شَرابي من ودادك سائغ         وَشُربِيَ مِن ماء الفُراتِ سِرابٌ

إذا صحَّ منكَ الوصل فالكلُّ هَيِّنٌ         وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابُ

ومن أحبه الله عز وجل استغنى بحبه عن كل شيء، جاء في الحديث القدسي: (وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به) (رواه البخاري عن أبي هريرة)، فالمؤمن لا يقبل كلامًا لا يرضي الله، ولا يجلس في مجلس فيه سخط الله، ولا يسمع إلا شيئًا وفق منهج الله، فأصبح على الحال الذي وُصِفَتْ في الحديث القدسي: (كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به).

ومن أصبح محبوبًا عند الله عز وجل أصبح مستجاب الدعوة، وغدا قلبه متعلقًا بالله، فلا يقبل خبرًا يتناقض مع وحي السماء، ويبتعد عن الأفكار التي تدعو إلى اليأس، ولا يقبل أفكار اليأس، والخنوع، والاستسلام، وأفكار الغربيين الذين أحكموا السيطرة علينا، قال تعالى: "وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (139)" (آل عمران: 139)، فالمؤمن لا يسمع إلا كلامًا يؤكد ثقته بالله وثقته بالنصر. فهو يرى بعين الله؛ يرى إنسانًا فقيرًا لكنه مستقيم فيحترمه، ويبجله، ويكرمه، ويرى إنسانًا بنى ثروته على أنقاض الناس، وبنى عزه على ذلّهم، فلا يعبأ به، ومن جلس إلى غني فتضعضع له، ذهب ثلثا دينه.

أيها المؤمن لا تدع يدك تتحرك إلا وفق الحق، وَلْتَقُدْكَ رِجْلَاكَ إلى بيوت الله، وطلب العلم، وخدمة الخلق، وإلى إصلاح ذات البين، وصلة الأرحام، وإلى إطعام الفقراء، فإن فعلت ذلك صرت محبوبًا عند الله، وإن سألته أعطاك، وغدوت مستجاب الدعوة.

ورد في الحديث القدسي: (ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته)، وإن لم يكن الموت عرسًا وجنة لك ففي إيمانك ضعف، قال تعالى: "وَلَئِن مُّتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لإِلَى اللهِ تُحْشَرُونَ (158) فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللهِ لِنتَ لَهُمْ" (آل عمران: 158 – 159).

ما يستفاد من الآية:

1- الأمر بتقوى الله وطاعته بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.

2- الحث على التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة.

3- الحث على الجهاد في سبيل الله بالأموال والأنفس.

4- بيان ثمرة ذلك وهو الفوز والفلاح في الدنيا والآخرة.

5 – الوسائل إلى الله لا تعد ولا تحصى وهي بعدد أنفاس الخلائق

فائدة:

قال ابن القيم رحمه الله: سنن الأذان خمس:

1- متابعة المؤذن فيما يقول، وفي حي على الصلاة – حي على الفلاح يقول: لا حول ولا قوة إلا بالله.

2- الدعاء بالوسيلة.

3- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم.

4- الدعاء بالمغفرة.

5- قول: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًّا.