نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس والثلاثون (في حرمة ولاية من يتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب وغيرهم)

الوصف
نداءات الرحمن لأهل الإيمان - النداء السادس والثلاثون (في حرمة ولاية من يتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب وغيرهم)
النداء السادس والثلاثون:
حرمة ولاية من يتخذون الله هزوًا ولعبًا
قال تعالى: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ وَاتَّقُوا اللهَ إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ (57) وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ" (المائدة57-58).
موضوع الآيتين: حرمة ولاية من يتخذ دين الله هزوا ولعبا من أهل الكتاب وغيرهم.
معاني الكلمات:
"هُزُوًا وَلَعِبًا" : ما يهزأ به ويسخر منه، واللعب ما يلعب به، وهو ضد الجد.
"أُوتُوا الْكِتَابَ" : اليهود في هذا السياق.
"وَالْكُفَّارَ" : المشركين.
"وَاتَّقُوا اللهَ" : بترك موالاتهم.
"إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" : صادقين في إيمانكم.
"وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ" : أدنتم لها.
"اتَّخَذُوهَا" : الصلاة.
"هُزُوًا وَلَعِبًا" : أي بأن يستهزؤا ويضحكوا بها.
مناسبة الآيات لما قبلها:
نهى الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء أو حلفاء وأنصارا من دونه؛ لأن بعضهم أولياء بعض، ثم كرر النهي هنا للتأكيد عن اتخاذ الكفار عامة أولياء لإيذائهم المؤمنين ومقاومتهم دينهم.
سبب نزول الآية:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ"
قيل: إن رفاعة بن زيد الثابوت، وسويد بن الحارث كانا قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، وكان رجال من المسلمين يوادونهما فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس: فأما اتخذهما الدين هزوا ولعبًا فهو إظهارهم الإسلام وإخفاؤهم الكفر وتلاعبهم بالدين، والذين أوتوا الكتاب اليهود والنصارى والكفار عبدة الأوثان.
سبب النزول:
وقوله تعالى: "وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ" قيل في سبب نزولها قولان:
أحدهما: أن منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نادى إلى الصلاة وقام المسلمون إليها قالت اليهود: قاموا، لا قاموا، صلوا. لا صلوا، على سبيل الاستهزاء والضحك. فنزلت هذه الآية. والثاني: أن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسلمين على ذلك، وقالوا: يا محمد لقد ابتدعت شيئا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية، فإن كنت تَدَّعِي النبوة فقد خالفت في هذا الأذان الأنبياء قبلك، فما أقبح هذا الصوت وأسمج هذا الأمر فنزلت هذه الآية.
ذكره المفسرون، وقال السدي: كان رجل من النصاري بالمدينة إذا سمع المنادي ينادي: أشهد أن محمدًا رسول الله. قال: حُرِقَ الكاذبُ فدخلت خادمة ذات ليلة بنار وهو نائم، فسقطت شرارة فأحرقت البيت فاحترق هو وأهله، والمناداة هي الأذان، واتخاذهم إياها هزوًا تضاحكهم وتغامزهم عند سماع الأذان.
المعنى الإجمالي:
يخاطب الله تعالى عباده المؤمنين، محذرًا لهم ومؤكدًا لهم التحذير من موالاة اليهود وأعداء الله ورسوله لقوله سبحانه: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا" بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا "هُزُوًا" شيئا يهزؤون به "وَلَعِبًا" أي شيئا يلعبون به "مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ" يعني اليهود والكفار والمنافقون والمشركون أولياء وأحباء وأحلافا "وَاتَّقُوا اللهَ" ي ذلك أي في اتخاذهم أولياء "إِن كُنْتُم مُّؤْمِنِينَ" صادقين في إيمانكم، فإن حب الله ورسوله والمؤمنين يتنافى معه حب أعداء الله ورسوله والمؤمنين، وقد دل على ذلك آيات أخر كقوله تعالى في آل عمران: "لاَ يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ" (آل عمران:28)،
وفي المائدة: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ" (المائدة:51)، وهذه "وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ" تضمنت تأكيد وجوب معاداة من يتخذ دين المؤمنين هزوا ولعبا، وهم أولئك الذين إذا سمعوا الأذان ينادي للصلاة اتخذوها هزوا ولعبًا، إذ الأذان دين وشرع، بل هو أظهر الشرائع وأعلى مقامات الدين، إذ به ترتفع كلمة التوحيد والنبوة، ويدعو إلى أشرف عبادة وأزكاها وأكثرها تبعدا لله تعالى وهي الصلاة وإقامتها، فقد نبه سبحانه على أن من استهزأ بالصلاة ينبغي أن لا يتخذ وليا، بل يهجر ويطرد، فهذه الآية جاءت كالتوكيد للآية التي قبلها، ذلك بأنهم قوم لا يعقلون أي ذلك الفعل منهم بسبب أنهم فجرة لا يعلقون حكمة الصلاة ولا يدركون غايتها في تطهير النفوس، ونفي العقل عنهم لكونهم لم ينتفعوا به في أمر الدين وإن كان لهم عقول يدركون بها مصالح الدنيا، فهم كالأنعام، بل هم أضل، كما قال سبحانه: "وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ" (الأعراف:179).
بيان حكم الأذان في الإسلام:
إن الأذان فرض كفاية في المدن والقرى، وسنة لجماعة تطلب غيرها، ومستحب لمن لا يطلب غيره في السفر أو الحضر، إلا أنه في السفر أعظم أجرا، لحديث الموطأ وهو قوله صلى الله عليه وسلم: "لا يسمع مدى صوت المؤذن جن ولا إنس ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة"، أما الإقامة فإنها سنة مؤكدة لكل صلاة، ومن أذن أقام، ولو أقام غيره لا بأس وإليك صيغة الأذان والإقامة.
الأذان:
الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حي على الصلاة، حي على الصلاة، حي على الفلاح، حي على الفلاح، الله أكبر، الله أكبر. لا إله إلا الله.
الإقامة:
الله أكبر الله أكبر –أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، حَيَّ على الصلاة، حَيَّ على الفلاح، قد قامت الصلاة، قد قامت الصلاة، الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله.
هذا واذكر أن معنى قوله تعالى في الآية: "وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ" أنه الأذان للصلوات الخمس.
ما يستفاد من الآيات:
1- حرمة اتخاذ اليهود والنصارى والمشركين أولياء، لا سيما أهل الظلم منهم.
2- سوء أخلاق اليهود وفساد عقولهم.
3- شعور اليهود بفسقهم وبعد ضلالهم جعلهم يعملون على إضلال المسلمين.
4- اليهود شر الناس مكانًا يوم القيامة، وأضل الناس في هذا الدنيا.
5- مشروعية الأذان، وأنه من شعائر الإسلام الظاهرة.
6- حرمة الاستهزاء بأي شعيرة من شعائر الإسلام، وقد ذكره العلماء رحمهم الله من نواقض الإسلام العشرة.