نداءات الرحمن لأهل الإيمان _النداء الثاني والستون ( أحكام العدة)

نداءات الرحمن  لأهل الإيمان  _النداء الثاني والستون    ( أحكام العدة)
420 0

الوصف

النداء الثاني والستون  

 أحكام العدة  

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا﴾  

  * موضوع الآية:

أحكام العدة  

أحكام العدة: وذلك في سقوط العدة على المطلقة قبل المسيس، ووجوب المتعة لها إن لم يسم لها مهر. 

*  معاني الكلمات:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): آمنوا بالله ربا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا. 

 (إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ): إذ عقدتم عليهن ولم تبنوا عليهن. 

 (مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ): أي من قبل الخلوة بهن ووطئهن، ويعبر عن الجماع في القرآن أدبًا بعدة عبارات: المس، والملامسة، والقربان، والتغشي، والإتيان. 

 (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ): أي ليس لكم مطالبتهن بالعدة، إذ العدة على المدخول بها. 

 ( فَمَتِّعُوهُنَّ): أي أعطوهن شيئًا من المال يتمتعن به، ويستغن به جبرًا لخاطرهن. 

 (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا): أي اتركوهن يذهبن إلى أهلهن من غير إضرار. قال أبو حيان: والسراح الجميل هو كلمة طيبة دون أذى ولا منع واجب. 

*  مناسبة الآية لما قبلها:

قال الفخر الرازي رحمه الله: مناسبة الآية لما قبلها هو أن الله تعالى ذكرتعالى في هذه السورة مكارم الأخلاق وأدب نبيه صلى الله عليه وسلم، لكن الله تعالى أمر عباده المؤمنين بما أمر به نبيه المرسل، فكلما ذكر للنبي مكرمة وعلمه أدبًا ذكر للمؤمنين ما يناسبه، فكما بدأ الله في تأديب النبي صلى الله عليه وسلم بذكر ما تعلق بجانب الله بقوله (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللهَ) (الأحزاب: 1)، وثنى ما يتعلق بأزواجه حيث قال (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ) (الأحزاب: 28)، وثلث بما يتعلق بأدب المؤمنين مع النبي حيث قال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ) (الأحزاب: 53)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ) (الأحزاب: 56). 

*  المعنى الإجمالي:

هذا النداء الإلهي وجه للمؤمنين لإيمانهم بالله تعالى ربا وإلها، وبالإسلام دينا، لا يقبل الله دينا غيره، دينا ذا شرائع وأحكام رحيمة عادلة وبمحمد نبيا لا نبي بعده ورسولا إلى الناس كافة، هؤلاء المؤمنون الذين ناداهم الله تبارك وتعالى ليعلمهم حكما من أحكام شرعه، وهو أن من طلق امرأته التي عقد عليها عقدا شرعيا ثم طلقها قبل أن يخلو بها ويجامعها، فإنه ليس له أن يطالبها بعدة لا بالإقراء ولا بالشهور؛ لأن علة العدة الواجبة هي الحمل، أي كي تعرف المطلقة هل هي حامل أو لا، أما التي لم يمسها زوجها فإنها قطعا لا حمل لها أبدا، فقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ) ويعني بنكحتم عقدتم، إذ يطلق لفظ النكاح على العقد وعلى الوطء، وغالبا ما يطلق في القرآن على الوطء والعقد إلا في هذه الآية فإنه أطلق على العقد فقط لقوله تعالى: (مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ) ولفظ المؤمنات خرج مخرج الغالب، وإلا فالكتابية إذا نكحها المؤمن فحكمها حكم المؤمنة في العدة والصداق والمتعة على حد سواء. 

وقوله تعالى: (ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ) أي من قبل أن تجامعوهن، ولفظ الطلاق هو قول الزوج لزوجته: أنت طالق، أو لقد طلقتك، أو الحقي بأهلك، وهو ناو الطلاق جازم به عازم عليه وهذا يُقال له طلاق الكناية فيحتاج إلى النية. أما الأول وهو الصريح: أنت طالق وطلقتك لا يحتاج إلى نية إذ لو قال لها: أنت طالق وهو لا يريد الطلاق طلقت حتى لو قال أنا هازل طلقت، لحديث: "ثلاث جدهن وهزلهن جد: الطلاق والعتاق والرجعة". 

وقوله تعالى: (فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) أي ليس على الرجل المطلق أن يطالب المرأة التي طلقها قبل البناء بها بعدة ولو يوما أو شهرا، تقدم من أن علة العدة هي الحمل، والتي لم يبن بها قطعا لا حمل يظن بها. فلها أن تتزوج يوم طلاقها ولا حرج عليها. 

وقوله تعالى: (فَمَتِّعُوهُنَّ) والمتعة إعطاء المطلقة شيئا من المال بحسب قدرة الرجل إذا كان ذا يسار فبحسب يساره، وإن كان ذا إعسار فبحسب إعساره، والقاضي هو الذي يقدر ذلك إذا رفعت القضية إليه. وهذه المتعة واجبة لمن لم يسم لها مهر، إذ لو سُمِي لها مهر لكان لها، لقول الله تعالى في سورة البقرة: (وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَن يَعْفُونَ) أي يتنازلن عما وجب لهن وهو نصف المهر، (أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ) فيترك لها المهر كاملا فله ذلك. 

وقوله تعالى (وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلاً) أي اتركوهن يذهبن إلى ذويهن من آباء أو أقارب من غير إضرار بهن ولا أذى تلحقونه بهن. ومن سرح مطلقته سراحا غير جميل بأن سبها أو عيرها، أو ذكر عيبا فيها أو ليس فيها، أو منعها حقها في المهر إن سُمي لها، أو مانعها بشيء نافع ذي قيمة، فإنه قد عصى الله (عز وجل) وتجب عليه التوبة فورا؛ لأنه خالف أمر الله (عز وجل) وهو مؤمن. 

*  ما يستفاد من الآية:

1- مشروعية الطلاق قبل البناء وجوازه بلا حرج. 

2- ليس على المطلقة قبل الدخول بها عدة، بل لها أن تتزوج يوم طلاقها ولا حرج. 

3- المطلقة قبل الدخول بها إن سمي لها صداق فلها نصفه، وإن لم يسم، فلها المتعة واجبة بحسب الحال المطلق: يسارًا، وإعسارا، وإن تشاحنا يقدرها القاضي. 

4- حرمة أذية المطلقة بأي أذى، ووجوب تخليتة سبيلها تذهب حيث شاءت. 

5- مشروعية المتعة لكل مطلقة. 

6- العدة للتي تحيض ثلاثة قروء أي حيض أو إطهار، ولا يشرع الطلاق إلا في طهر قبل أن يجامعها فيه، والتي لكبر سنها أو صغره عدتها ثلاثة أشهر لا غير، والحامل عدتها ولادتها، فمتى ولدت انتهت عدتها. والمتوفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرًا، وإن كانت حبلى فتعتد بأطول الأجلين الحمل أو الأشهر، إذ هذا خير لها ولأهل زوجها الميت، والإحسان محمود للمؤمنين.