نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء السادس والستون ( وجوب تقوى الله والقول السديد )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء السادس والستون    ( وجوب تقوى الله والقول السديد )
388 0

الوصف

  النداء السادس والستون

   وجوب تقوى الله والقول السديد   

قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾ ((الأحزاب: 70-71). 

  * موضوع الآية:

 وجوب تقوى الله والقول السديد وثمرات ذلك في الدنيا والآخرة.          

*  معاني الكلمات:

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا): صدقوا بالله ورسوله ورضوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيًا. 

 ( اتَّقُوا اللهَ): تقوى الله بفعل أوامره وترك نواهيه، وكماقال عبد الله ابن مسعود: أن يطاع الله فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن ذك فلا ينسى. 

 ( قَوْلًا سَدِيدًا): صدقًا وصوابًا قاصدًا إلى الحق. 

 ( يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ): بالقبول ويوفقكمللأعمال الصالحة. 

 ( فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا): أي نال غاية مطلوبه وهو النجاة من النار ودخول الجنة، فيعيش في الدنيا حميدًا وفي الآخرة سعيدًا. 

 * مناسبة الآية لما قبلها:

بعد أن نهى المؤمنين عن إيذاء الرسول صلى الله عليه وسلم بالقول أو بالفعل أرشدهم إلى ما ينبغي أن يصدر عنهم من الأقوال والأفعال، وأما الأفعال فالخير، وأما الأقوال فالحق لأن من أتى بالخير وترك الشر، فقد أتقى الله، ومن قال الصدق قال قولًا سديدًا، فقال ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا) ... الآية. 

*  المعنى الإجمالي:

اذكر أيها المؤمن سِرَّ نداء الله تعالى للمؤمنين بعنوان الإيمان، وأنه ما يناديهم إلا ليأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم وذلك رحمة بهم وإحسانا إليهم من أجل أن يكملوا ويسعدوا. وها هو ذا تعالى يناديهم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) ويأمرهم بتقواه عز وجل، إذ تقواه هي المحققة لولايته تعالى لهم بعد الإيمان، ومن وليه الله لا يخاف ولا يحزن، ومن عاداه الله ما أمن ولا فرح أبدا. 

هذا واعلم أن تقوى الله (عز وجل) حقيقتها: خوف من الله (عز وجل) يحمل الخائف على عدم معصيته عز وجل في فعل ولا ترك في الظاهر والباطن سواء. ويحمله ذلك على أن يطلب العلم ليعرف ما أمر الله تعالى به عباده المؤمنين وما نهاهم عنه من الاعتقادات والأقوال والأعمال والصفات، ويجاهد نفسه في ذلك حتى يبلغ بها درجة الطمأنينة، فتصبح لا تفرح إلا بطاعة الله (عز وجل)، ولا تحزن إلا في معصيته تعالى، وتصبح حالها: الإيمان بلقاء الله، والرضا بقضاء الله، والقناعة بعطاء الله. كما ورد في دعاء الصالحين: اللهم إني أسألك نفسا مطمئنة تؤمن بلقائك وترضى بقضائك وتقنع بعطائك. اللهم وفقنا لهذا المطلب واجعلنا من أهله آمين. 

وقوله تعالى: (وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا) هذا أمر آخر بعد الأول وهو أن لا يقول المؤمن إذا قال إلا ما كان صائبا صدقا نافعا غير ضار، هادفا مصيبا ذا أثر محمود، وقد عرفه بعضهم فقال: القول السديد هو لا إله إلا الله محمد رسول الله، وهو القصد الحق وهو الذي يوافق ظاهره باطنه، وهو ما أريد به وجه الله دون سواه، إذ القول السديد الذي أمر تعالى به عباده المؤمنين يشمل كل هذه التعريفات ويزيد. 

واعلم أن الله تعالى جعل ثمرة تقوانا له وقولنا لبعضنا القول السديد إصلاح أعمالنا ومغفرة ذنوبنا وفي تحقيق هذين المطلبين سعادة الدارين، وسر ذلك أيها القارئ الكريم أن تقوى الله (عز وجل) كفيلة بتطهير النفس وتزكيتها، وسعادة الآخرة تتم بزكاة النفس وطهارتها، إذ قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) ومعنى أفلح: فاز، والفوز هو النجاة من النار ودخول الجنان. كما أن القول السديد كفيل بإصلاح الأعمال الدنيوية من بيع وشراء وهدم وبناء، ونكاح وطلاق وسفر وإقامة، وإلى غير ذلك من أمور الحياة الدنيا الضرورية للإنسان فيها. فما أعظم إرشاد الله تعالى لأوليائه، وما أكرم الله تعالى على عباده المؤمنين، إذ أمرهم بأمرين: تقواه والقول السديد، وجعل الجزاء أمرين: إصلاح الأعمال ومغفرة الذنوب، وما بعد هذا المطلب من مطلب. وأخيرا زاد إنعامه وإفضاله على عباده المؤمنين إفضالا فقال: ( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) أما طاعة الله وطاعة رسوله: فإنها في الأمر والنهي والترغيب والترهيب وفي النفل والمكروه، وأما الفوز العظيم: فهو سعادة الدارين، أما في الدنيا فهي الأمن ورغد العيش مع انشراح الصدر وطيب الخاطر، وهدوء البال والعز والكرامة الدائمة، وأما في الآخرة: فهي النجاة من النار ومواكبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، إذ قال تعالى من سورة النساء: ( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا (69) ذَلِكَ الْفَضْلُ مِنَ اللهِ وَكَفَى بِاللهِ عَلِيمًا) 

وفي ختام بيان هذا النداء أذكر لك أيها القارئ ما يزيد في تقواك ورضاك ما رواه ابن أبي حاتم وذكره ابن كثير في التفسير: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى يوما الظهر بأصحابه ثم أومأ إليهم أن اجلسوا فجلسوا ثم قال لهم: "إن الله أمرني بأمر: أن آمركم أن تتقوا الله وتقولوا قولا سديدا"، ثم أتى النساء فقال لهن: "إن الله أمرني بأمر: أن آمُرَكُنَّ أنْ تَتَّقِينَ الله وَتَقُلْنَ قولا سديدا" فكان ختام هذا النداء كبداءته والحمد لله المتفضل على عباده. 

  قول الحق السديد من سمات العظماء  

من عدّ كلامه من عمله فقد نجا. فعلى الإنسان أن يتناسب قوله مع فعله، وأن يحاسب نفسه على كلامه حتى لا يرتكب إثمًا. قال صلى الله عليه وسلم: "لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ (رواه أحمد)، وقال: "إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ لَا يُلْقِي لَهَا بَالًا يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ"  (رَوَاهُ البُخَارِيُّ وأحمد)، وقال: "وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ فَقَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِم"  (أخرجه الترمذي وصححه وابن ماجه والحاكم). 

أيها المؤمن كلامك جزء من عملك. والكلمة الطيبة ترقى عند الله إلى أعلى عليين، والكلمة الخبيثة يهوي الإنسان بها إلى أسفل سافلين. 

قال تعالى: ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ) (إبراهيم: 24 – 25). 

وقال تعالى: ( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِن فَوْقِ الأَرْضِ مَا لَهَا مِن قَرَارٍ) (26)  (إبراهيم: 26). 

فالكلمة الخبيثة ليس لها أصل، وهي معصية، أما الكلمة الطيبة فأصلها ثابت، أساسها مؤمن صادق يحب الخير، والرحمة. 

والحق ثابت والباطل زائل. والقول السديد هو القول الحق، والحق لابس خلق السماوات والأرض؛ أي رافق خلقها، وورد ما يشير إلى ذلك في آيات كثيرة جدًا، قال تعالى: ( وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ) (الأنعام: 73)، أي أن السماوات والأرض خلقتا بالحق، والحق هو الشيء الثابت والهادف، ويقابل الحق الباطل، قال تعالى: ( إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا) (81)  (الإسراء: 81)، أي آيل إلى السقوط. وكل شيء خلاف الحق زائل، فكم من فرقة ضالة في تاريخ المسلمين ظهرت وقويت ثم تلاشت، ولا غرو في ذلك؛ لأنها باطلة، والبلاد التي رفعت شعار "لا إله" تداعت من الداخل وانهارت وتمزقت إلى العديد من الدول. وتقول عدة دراسات عالمية: إن الإسلام هو الدين الأول في العالم في النمو، لأنه من عند الله عزوجل، وعلى الرغم من أن العالم كله يحاربه من دون استثناء، وأي إنسان يظهر أنه مسلم تتعطل مصالحه في الأرض. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- أوجب الله تعالى الخير في الأفعال والتقوى، والصدق في الأقوال وهو ما يقابل الأذى المنهي عنه بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين. 

2- وعد الله سبحانه أنه يجازي على القول السديد وتقوى الله بإصلاح الأعمال أي قبولها وجعلها صالحة لا فاسدة بتوفيقهم إليها غفران الذنوب وحسبك بذلك درجة ورفعة ومنزلة. 

3- من يطع الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيما أمر به ونهى عنه فقد نجا من النار وفاز بالجنة أو وصل إلى ثواب كثير وهو الثواب الدائم الأبدي.