نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء السابع والستون (نصرة الله تعالى لعباده المؤمنين )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء السابع والستون     (نصرة الله تعالى لعباده المؤمنين )
440 0

الوصف

  النداء السابع والستون

   نصرة الله تعالى لعباده المؤمنين   

قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ (7) وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ (8) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾(محمد:7-9). 

  * موضوع الآيات: 

نصرة الله تعالى لعباده المؤمنين، وخسران الكافرين. 

*  معاني الكلمات:

 ( إِن تَنْصُرُوا اللهَ): بنصرة دين الله ورسوله. 

 ( يَنْصُرْكُمْ): على عدوكم. 

 ( وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ): يثبتكم أثناء القتال والمجاهدة مع الكفار في المعارك وغيرها. 

 ( فَتَعْسًا لَّهُمْ): هلاكًا لهم وخيبة من الله. 

 ( ذَلِكَ): أي التعس وإضلال الأعمال. 

 ( بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ): أي بسبب كراهيتهم ما أنزل الله من القرآن المستمل على التكاليف وأنواع الهدايات. 

 ( فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ): أبطلها وأضلها فلا ينتفعون بها دنيا ولا أخرى. 

*  المعنى الإجمالي:

أن نداء الله تعالى لعباده المؤمنين الذين آمنوا بالله ربا وإلها لا إله غيره ولا رب سواه، وبالإسلام دينا لا دين يقبل غيره. وبمحمد نبيا ولا نبي يأتي بعده، ورسولا إلى الناس كافة أبيضهم وأصفرهم، ومن عاصروه ومن يأتي بعدهم إلى يوم القيامة. كان لأجل أن يأمرهم أو ينهاهم، أو يبشرهم أو ينذرهم، وكل ذلك من أجل إكمالهم في إيمانهم وإسلامهم وإحسانهم، وفي آدابهم وأخلاقهم، ومعارفهم وعلومهم، ولأجل إسعادهم أبدانا وأرواحا، وحاشاه تعالى أن يناديهم لغير إكمالهم وإسعادهم؛ لأنه ربهم ووليهم العليم الحكيم والبر الرحيم فها هو ذا ناداهم ليخبرهم بأنهم إن نصروه تعالى في رسوله ودينه وأوليائه وهم المؤمنون المتقون من عباده نصرهم على أعدائه وأعدائهم وهم الكافرون بتوحيده وبرسوله وبكتابه وشرعه ولقائه وجزاء أوليائه بالنعيم المقيم، وأعدائه بالعذاب الأليم. إذ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) أي في كل معركة تخوضونها ضد أعدائكم الكافرين والمشركين الذين فرض عليكم قتالهم حتى يسلموا لله ربهم قلوبهم ووجوههم. إذ قال تعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ) أي شرك أو من يدعو إلى الشرك ( وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ للهِ)  

كما يخبرهم بأن الذين كفروا به وبرسوله وبكتابه القرآن العظيم، وبلقائه ووعده ووعيده، وبتوحيده في عباداته، هؤلاء الكفرة المشركون تعسا لهم، أي هلاكا لهم وسقوطا في أسفل حياة البهائم، وخسرانا كاملا في الدنيا والآخرة. 

أما خسران الدنيا فهو حرمانهم من الكمال الروحي، إذ لا أخلاق ولا آداب لهم، ولا زكاة نفس، ولا راحة بال، إذ هم في ظلمات الكفر يتقلبون، وحرمانهم من سعادة الأبدان، إذ هم في خوف وشقاء وتعاسة دائمة لحرمانهم من ولاية الله عز وجل. 

وأما خسران الآخرة: فإنه من ساعة تفيض أرواحهم بنهاية آجالهم، وهم في العذاب الروحي لا يفارقهم إلى أن تبعث أجسادهم فيساقون إلى جهنم زمرا، ويصب عليهم العذاب الروحي بالتقريع والتوبيخ، صبا لا يعرفون معه طعم الحياة، إذ هم لا يموتون في النار ولا يحيون، وفوق العذاب الروحي العذاب الجسماني البدني، إذ يصب فوق رؤوسهم الحميم يصهر ما في بطونهم والجلود ويضربون بمقامع من حديد ويمزق أمعاءهم الجوع فيقدم لهم الزقوم، والضريع. ويعطشون فيسقون الحميم فيمزق أمعاءهم، ويصابون بوحشة، إذ لا أب ولا أم ولا زوجة ولا ولد ولا أنيس، ولكن وحشة وغربة وبلاء عظيم، ولنذكر قول الله تعالى فيهم: ( قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلاَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ)  

كان هذا بعض ما دل عليه قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ) أما قوله تعالى: ( وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) فهو إخبار فيه معنى الدعاء عليهم بضلال أعمالهم فلا ينتفعون بشيء منها، إذ كانت لبعضهم أعمال خيرية كإطعام جائع، أو سقي ظمآن أو كسوة عار، كما في قوله: ( فَتَعْسًا لَّهُمْ) أيضا وقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) ذلك إشارة إلى تعاستهم وضلال أعمالهم، أي حصل لهم ذلك الشقاء والخسران الروحي والبدني بسبب كراهيتهم لما أنزل الله من القرآن لما فيه من الأمر بالتوحيد، والتنديد بالشرك، وإنذار الكافرين بالخلود في نار جهنم، وتبشير الموحدين بالخلود في الجنة ونعيمها. فلكراهيتهم لما أنزل الله تعالى في كتابه أحبط الله أعمالهم وأبطلها فلم ينتفعوا منها بشيء. فلا دولة عز وطهر وسعادة يقيمون، ولا حياة فيها يخلدون، ولا جزاء حسنا في الآخرة به يتنعمون ويسعدون. وإنما خسران بعد خسران وشقاء بعد شقاء، وهذا جزاء الكافرين والعياذ بالله رب العالمين. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- النصر مشروط بنصرة دين الله وتطبيق شرعه والتزام أوامره واجتنبا نواهيه، لذا كرر الله تعالى هذا المعنى في آيات كثيرة قائلًا: ( إِن تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) . 

2- إن جزاء الكافرين عسير ومظلم وشاق، فالخيبة والخزي والهزيمة لهم في الدنيا وإبطال أعمالهم في الآخرة بسبب كراهيتهم ما أنزل الله من الكتب والشرائع، ولأن أعمالهم في طاعة الشيطان فيحبط الله ما لهم من أعمال الخيرات، ولا يقبل الله العمل إلا من مؤمن، وبهذا يتبين الفرق بين موتى الكافرين في قوله تعالى ( وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ) وبين موتى المسلمين وقتلاهم حيث قال في حقهم ( فَلَن يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ) (محمد: 4).