نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء التاسع والستون (وجوب طاعة الله ورسوله وعدم التقدم على حكمهم برأي)

نداءات الرحمن لأهل الإيمان _ النداء التاسع والستون (وجوب طاعة الله ورسوله وعدم التقدم على حكمهم برأي)
396 0

الوصف

  النداء التاسع والستون

 وجوب طاعة الله ورسوله وعدم التقدم على حكمهم برأي 

قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (الحجرات: 1). 

  * موضوع الآية:

في وجوب الأدب مع الله والرسول وحرمة تقديم الرأي على الكتاب والسنة ووجوب تقوى الله عز وجل    

*  سبب نزول الآية:

نزلت في مجادلة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما عند النبي صلى الله عليه وسلم في تأمير القعقاع بن معبد أو الأقرع بن حابس، وذلك فيما أخرجه البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن أبي مليكة أن عبد الله بن الزبير رضي الله عنه أخبره أنه قدم ركب من بني تميم على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر: ما أردت إلا خلافي. وقال عمر: ما أردت خلافك. فتماريا حتى ارتفعت أصواتهما، فنزلت في ذلك قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) (الحجرات: 1) 

*  المعنى الإجمالي:

تتضمن هذه الآية الأدب مع الله تعالى ومع رسوله صلى الله عليه وسلم والتعظيم والاحترام له وإكرامه فأمر الله عباده المؤمنين بما يقتضيه الإيمان بالله وبرسوله من امتثال أوامر الله واجتناب نواهيه، وأن يكونوا سائرين خلف أوامر الله متبعين لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع أمورهم، ولا يتقدموا بين يدي الله ورسوله ولا يقولوا حتى يقول ولا يأمروا حتى يأمر، فإن هذا حقيقة الأدب الواجب مع الله ورسوله، وهو عنوان سعادة العبد وفلاحه، وبفواته تفوته السعادة الأبدية والنعيم السرمدي، وفي هذا النهي الشديد عن تقديم قول غير الرسول صلى الله عليه وسلم على قوله، فإنه متى استبانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجب أتباعها وتقديمها على غيره كائنًا من كان، ثم أمر الله بتقواه عمومًا وهي كما قال طلق بن حبيب أن تعمل بطاعة الله على نور من الله ترجو ثواب الله، وأن تترك معصية الله على نور من الله تخشى عقاب الله. 

ومما يوضح هذه الحقيقة ويجليها للأفهام قصة معاذ بن جبل –رضي الله عنه – حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن، فإنه سأله قائلا: "بم تحكم يا معاذ؟" قال رضي الله عنه: بكتاب الله تعالى، فقال صلى الله عليه وسلم: "فإن لم تجد؟" أي في كتاب الله تعالى، قال: بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "فإن لم تجد؟" أي في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رضي الله عنه: أجتهد برأيي، فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، أي صدر معاذ رضي الله عنه وقال: "الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله لما يُرضي رسول الله". 

ومن هذا الحديث الجليل الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه – رحمهم الله أجمعين – ومنه استخرج علماء الشريعة – رحمهم الله تعالى – من سلف هذه الأمة القاعدة الآتية: "لا يحل لمؤمن القدوم على أمر حتى يعلم حكم الله فيه". 

وهذه القاعدة تحث المؤمنين على طلب العلم، إذ لو أخذ بها المسلمون لما بقي فيهم ولا بينهم جاهل بحكم الله ورسوله في كل قضايا الحياة. ولكان للكتاب والسنة شأن عظيم بينهم، لقوله تعالى: (لاَ تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ) لا قولا ولا عملا ولا رأيا ولا فهما أو ذوقا كما يقولون حتى يعرض ما أراده على الكتاب والسنة، فإن وجد طلبه فذاك وإلا سأل أهل العلم حتى يعلم الحكم بالمنع أو الجواز. فيصبح على بينة من أمره وكيف والله تعالى يقول: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنْتُم لاَ تَعْلَمُونَ) فالمؤمن إن كان عالما عمل بما علم وإلا سأل أهل العلم حتى يعلم فيعمل بما علم. والعالم إذا سئل يجب أن يعلم السائل ما سأل عنه. وبهذا لا يبقى بين المؤمنين جاهل ولا جاهلة. إلا أن يوجد المرء في بلد لا عالم فيه فحينئذ يجب أن يسافر إلى بلد فيه العالم حتى يسأل ولو كان في أقصى الشرق أو الغرب. أو يهاجر من بلد لا عالم فيه، إذ لا يمكنه أن يعبد الله تعالى بلا علم. ولو عرف المسلمون هذه الحقيقة لما أصبحوا جهلاء ضلالا إلا من رحم الله تعالى منهم. ألا فاذكر هذا أيها القارئ. 

  من وحي الآية: كمال الدين الإسلامي

الدين الإسلامي غير خاضع للتعديل والتطوير، والتحديث، والإضافة لأنه دين توقيفي من عند الله عز وجل، وليس وليد جهد بشري، وليس تراثًا، وثقافة، أو أي شيء يمكن أن يكون خاضعًا للبحث، والتعديل، والتطوير، والتحديث، والإضافة، والبحث، والنظر، لأن هذا شأن المنتج الأرضي، الذي هو من صنع البشر. 

فشأن البشر أن يطوّروا ويضيفوا ويعدّلوا، ومثال ذلك: المركبات التي يقودها الإنسان. فلو نظرت إلى مركبتك لأدركت كم تطورت من مئة عام حتى الآن؛ إذ كان يتم تشغيلها من الأمام، وسرعتها ثابتة لا تتبدل، والعجلات ليس فيها هواء، وبوقها هوائي. انظر الآن إلى مركبة صنعت عام 2010، لترى كم تطورت صناعة البشر ونمت. فما من صنعة إلا وتأتي بعدها صنعة أدق منها، يتم فيها تلافي الأخطاء السابقة. أمّا دين الله فلا يخضع لهذه المعادلة، لأنه كامل كمالًا مطلقًا. فهو من عند الله، خالق السماوات والأرض، قال تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا) (المائدة: 3)، والإكمال نوعي والإتمام عددي؛ أي أن القضايا التي عالجها الدين تامة عددًا، وأن طريقة المعالجة كاملة نوعًا. 

وأصل هذا الدين هو من وحي السماء، ووحي السماء وحيان: وحي متلو هو القرآن الكريم، ووحي غير متلو هو ما صحّ من سنة سيد المرسلين: أقواله وأفعاله وإقراره، قال الله عز وجل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) (الحشر: 7) وهذا أمر إلهي، يُلزمنا أن نأتمر بما أمرنا به رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأن ندع ما نهانا عنه. 

والأصل في العقائد والعبادات الحظر، فلا تشرع عبادة ولا تخترع عقيدة إلا بدليل قطعي الثبوت، قطعي الدلالة. ولا يسمح للمسلم أن يأتي بعقيدة ليس لها أصل في الكتاب والسنة الصحيحة، لأن الدين توقيفي. كما لا يسمح للمسلم أن يخترع عبادة لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم. 

أما الأشياء فالأصل فيها الإباحة، ولا يحرم شيء منها إلا بالدليل القطعي والثابت. أمّا ما يطرح من دعوة إلى التجديد في الدين، فإنه لا يصحّ منه شيء والأصوب أن نقول: التجديد في الدعوة إلى الله، لأن تجديد الخطاب الديني شيء، وتجديد الدين شيء آخر. وليس أمام من يصرون على الدعوة إلى التجديد في الدين، إلّا أمر واحد؛ هو أن ينزعوا عن الدين كل ما علق فيه مما ليس منه؛ إذ هناك من البدع الاعتقادية، والعبادية، والسلوكية، والبدع في المعاملات، ما لا يعد ولا يحصى، وهي التي تدعو الناس إلى البعد عن الدين لتطرُّفها، لأن دين الله يتناسب مع كمال الدين، وكمال الخَلْق يدل على كمال التشريع، فالشريعة كلها عدل، ورحمة، ومصلحة، وحكمة، وأي قضية خرجت من العدل إلى الجور، ومن المصلحة إلى المفسدة، ومن الحكمة إلى خلافها، فليست من الشريعة، ولو أوّلت ألف تأويل وتأويل. 

إن كمال الله عز وجل مطلق، ويقتضي كماله هذا أن لا يشرع شيئًا يحتاج إلى تعديل أو تطوير أو إلغاء أو زيادة. ولقد حاول الكثيرون عبر الزمان اقتراح أفكار، ومسودات قوانين، واختراع نظم تتناقض مع ما جاء به النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، كمن يزعمون أن عصرنا عصر علم، والاختلاط لا بدّ منه، ولا بدّ من إيداع المال في البنوك، ولا بدّ من تقاضي الفائدة، وقطع اليد عمل همجي، وبذلك يقدمون بين يدي القرآن والسنة ما يناقضهما بدعوتهم إلى تخفيف هذه الأحكام وتعديلها. ولئن حرّم القرآن الربا، فمن قال إنه يستحيل أن يكون هناك بنك إسلامي لا يتعامل بالربا؟ لكن المسلمين مقصرون. 

وتطبيق شرع الله عز وجل يُبعد الإنسان والمجتمع عن المشاكل جميعها، ولنأخذ ماليزيا مثالًا؛ إذ طبقت الشرع بشكل دقيق جدًّا في الجانب الاقتصادي، فأصبح مجموع صادراتها إلى العالم يفوق صادرات العالم العربي بأكمله، بما فيها النفط، وأصبح عندها فائض نقدي، وبنوكها إسلامية، حتى البطاقة الائتمانية الصغيرة ليس فيها فائدة. إنها بلد إسلامي متواضع، فيها ثلاثة عشر بنكًا أصحابها بوذيون وصينيون وهي إسلامية، وليس عندهم استثمار ربوي أبدًا، قال تعالى: ( يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ) (البقرة: 276). وعلى هذا المثال قِسْ. 

كلّ ماء جاء به القرآن والسنة هو الكمال المطلق، وأي تعديل ينشأ عنه مضاعفات لا يعلمها إلا الله، فالإنسان عبد محدود القدرات، وهذا التشريع من عند المطلق، وعلى المسلم أن يبتعد عن الدعوات التي تتناقض مع سنة النبي الكريم

وقد انتشرت دعوات خطيرة جدًّا، تدعو إلى إلغاء الدين والاستهانة بالمقدسات، حتى وصلت حدًا أن إنسانًا تصوَّرَ؛ لأنه غبي غباء لا حدود له، أنَّه إذا توجَّه نحو الشمس وبصق عليها يطفئها. فتوجه بكل طاقته نحو الشمس وهي في كبد السماء، وبصق عليها بصقة ارتفعت عشرين سنتمترًا، ثم ارتدت إلى وجهه، وبقيت الشمس هي الشمس. فما ضرّ السحابَ نَبْحُ الكلاب، وما ضرّ البحرَ أن ألقى فيه غلامٌ بحجر. ولو تحول الناس إلى كنَّاسين ليثيروا الغبار على هذا الدين، ما أثاروه إلا على أنفسهم. 

وعلى المسلم ألا ينطق عن الهوى تأسيًا برسول الله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (1) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (2) وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى (3) إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (4) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) (5)  (النجم: 1 – 5) ومعظم الناس ينطقون عن الهوى. 

  *  ما يستفاد من الآيات:

1- وجوب طاعة الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وتقديم حكم الكتاب والسنة على ما سواهما. 

2- تعليم العرب وغيرهم مكارم الأخلاق وفضائل الآداب في خطاب النبي صلى الله عليه وسلم. 

3- الأمر بالتقوى وإيجابها عام في كل الأوامر والنواهي الشرعية.