نداءات الرحمن لأهل الإيمان_ النداء السبعون ( وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )

نداءات الرحمن لأهل الإيمان_  النداء السبعون    ( وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم )
462 0

الوصف

  النداء السبعون

   وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم   

قال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ (2) إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ﴾ (الحجرات: 2-3). 

  * موضوع الآية:

وجوب الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كما أن سوء الأدب سبب لإحباط العمل  

*  معاني الكلمات:

 (لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ): أي إذا كلمتموه فلا ترفعوا أصواتكم فوق صوته إذا نطق. 

 (وَلاَ تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ): أي إذا ناجيتموه فلا تبلغوا الجهر الدائر بينكم، بل اجعلوا أصواتكم أخفض من صوته إجلالًا له وتوقيرًا وتقديرًا، وتكرير النداء بقوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) لمزيد من ضبط النفس وزيادة الاهتمامبه والتعظيم له. 

 (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ): كراهية وخشية أن تحبط أعمالكم، أي يبطل أعمالكم. 

 (وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ): أنها محبطة لاسيما إذا كان في رفع الصوت والجهر استخفافًا قد يؤدي إلى الكفر المحبط إذا ضم إليه قصد الإهانة وعدم اللامبالاة. 

 * سبب نزول الآية:

أخرج ابن جرير عن قتادة قال: كانوا يجهرون له بالكلام ويرفعون أصواتهم، فأنزل الله (لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ) ... الآية. 

وروى أن الآية نزلت في ثابت بن قيس بن شماس كان في أذنه وقر، وكان جهوري الصوت، وكان إذا كلم إنسانًا جهر بصوته، فربما كان يكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيتأذى بصوته، فأنزل الله تعالى هذه الآية. 

*  المعنى الإجمالي:

قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وصفهم بالإيمان لتنشيطهم، والإيذان بأن ما في النداء يستدعى مزيد اعتنائهم؛ لأن الإيمان داع للمؤمنين إلى مكام الأخلاق،وتتضمن هذه الآية الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطابه، أي لا يرفع المخاطب له صوته معه فوق صوته، ولا يجهر له بالقول، بل يغض الصوت، ويخاطبه بأدب ولين وتعظيم وتكريم وإجلال وإعظام،وهذا الأدب واجب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الآية الكريمة، وهو أدب ينبغي للمؤمن أن يتحلى به؛ لأن رفع الصوت بلا حاجة من سوء الآداب وهبوط الأخلاق، واذكر قول لقمان لابنه وهو يعظه إذ قال له: (يَا بُنَيَّ إِنَّهَا إِن تَكُ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّمَاوَاتِ أَوْ فِي الأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللهُ إِنَّ اللهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ (16)يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ (17) وَلاَ تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلاَ تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ (18) وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الأصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ) 

فلنتأمل هذه الوصية اللقمانية الربانية، فإنها اشتملت على مكارم الأخلاق وأشرف الآداب، بعد أوجب الواجبات، إنها مراقبة الله، والخوف منه، والحياء، إذ لا يعزب عنه مثقال ذرة من أقوالنا وأعمالنا، والأمر بإقام الصلاة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والصبر على الأذى في ذلك، وحرمة الكبر والتكبر على الناس، والاختيال في المشي، وإظهار المرح والزهو بين المؤمنين، ثم الاقتصاد في المشي وهو أنه يسرع في مشيه بقدر الحاجة التي هو ذاهب إليها. وأخيرا خفض الصوت وغضه حتى لا يرفع صوته إلا بقدر ما يسمع من يخاطبه، هذا مع عامة الناس، أما مع الوالدين والمربين والمعلمين فهو من أوجب الواجبات. 

هذا واذكر قصة ثابت بن قيس بن شماس –رضي الله عنه – فقد روى الإمام أحمد بسنده عن أنس بن مالك –رضي الله عنه – أنه قال: لما نزلت هذه الآية: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ ... ) الآية إلى قوله (وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) وكان ثابت بن قيس بن شماس رفيع الصوت أي إذا تكلم، فقال: أنا الذي كنت أرفع صوتي فوق صوت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا من أهل النار، حبط عملي، وجلس في أهله حزينا، ففقده رسول الله صلى الله عليه وسلم، فانطلق بعض القوم، فقالوا له: تفقدك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما لك؟ قال: أنا الذي أرفع صوتي فوق صوت النبي صلى الله عليه وسلم، وأجهر له بالقول فحبط عملي، أنا من أهل النار، فأتوا النبي صلى الله عليه وسلم فأخبروه بما قال، فقال صلى الله عليه وسلم: لا، هو من أهل الجنة، قال أنس: فكنا نراه يمشي بين أظهرنا ونحن نعلم أنه من أهل الجنة، واستشهد –رضي الله عنه – يوم اليمامة. 

ولنعلم أيها القارئ أن رفع الصوت بقرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مسجده، أو قريبا من حجرته الشريفة فيه مكروه لهذه الآية؛ لأن حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم ميتا كحرمته حيا، وهذا عمر يطبق هذه القاعدة فيسمع يوما صوت اثنين مرتفعا في المسجد فدعاهما وقرعهما وسألهما من أين أنتما؟ فقالا: من الطائف، فقال لهما: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربا، ترفعان أصواتكما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! 

وقوله تعالى: (أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) هذه علة لمنع رفع الصوت مخافة أن يغضب رسول الله فيغضب الله تعالى لغضبه فيعذب من لم يتأدب مع رسول الله، وكون العمل يبطل دال على أن من تعمد إساءة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلميكفر بذلك ولذا يحبط عمله، إذ العمل لا يحبط إلا بالشرك والكفر، لقول الله تعالى: ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ.... ) الآية. ألا فلنحذر إساءة الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا تكلمنا عنه أو حدثنا بحديثه يجب أن نكون على غاية من الأدب والاحترام. 

وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى) فهذه بشرى خير عظيمة لمن يتأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيغض صوته ولا يرفعه أمام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن الله يوسع قلبه ويشرحه ليتسع لتقوى الله (عز وجل) ويزيده فيعده بمغفرة ذنوبه والأجر العظيم ألا وهو الجنة دار السلام. اللهم اجعلنا من أهلها وارزقنا الأدب مع رسول الله اللهم آمين. 

قال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في تفسيره أضواء البيان: ومعلوم أن حرمة النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته كحرمته في أيام حياته، وبه تعلم أن ما جرت به العادة اليوم من اجتماع الناس قرب قبره صلى الله عليه وسلم وهم في صخب ولغظ وأصواتهم مرتفعة ارتفاعًا مزعجًا كله لا يجوز ولا يليق وإقرارهم عليه من المنكر وقد شدد عمر رضي الله عنه النكير على رجلين رفعا أصواتهما في مسجده صلى الله عليه وسلم وقال: لو كنتما من أهل المدينة لأوجعتكما ضربًا. 

*  ما يستفاد من الآية:

1- وجوب خفض الصوت أثناء مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلموالامتناع من الجهر بالأصوات أعلى من وصوته. 

2- على المؤمنين ألا يخاطبوا النبي صلى الله عليه وسلم بقولهم: يا محمد ويا أحمد ولكن يا نبي الله ويا رسول الله توقيرًا له. 

والهدف من هذين التوجهين تعظيم رسوله الله صلى الله عليه وسلم وتوقيره وخفض الصوت بحضرته وعند مخاطبته. 

3- أن مخالفة النهي في الآية برفع الصوت أكثر من الحالة المتوسطة المعتادة يؤدي إلى إحباط الأعمال وإبطال الثواب. 

4- وفي قوله تعالى (وَأَنْتُمْ لاَ تَشْعُرُونَ) إشارة إلى أن ارتكاب المأثم يجر الأعمال إلى الحبوط من حيث لا يشر المرء به.