موسوعةالأخلاق الإسلامية-الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس(الأساس الثامن- إيجاد الحافز الذاتي)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس(الأساس الثامن- إيجاد الحافز الذاتي)
250 0

الوصف

                                                              الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس

                                                              الأساس الثامن- إيجاد الحافز الذاتي
                 الباب الأول: مقدمات وأسس عامة >> الفصل الخامس: اكتساب الأخلاق ووسائله >> 5- الأسس التربوية العامة لتقويم أخلاق الناس

الأساس الثامن- إيجاد الحافز الذاتي:

الحافز الذاتي هو القوة الداخلية في الإنسان، المحركة لعواطفه، والموجهة لإرادته، والدافعة له حتى يمارس سلوكًا معينًا داخليًّا أو خارجيًّا، وعن طريق تكرار ممارسة هذا السلوك تتكون العادة النفسية الباطنة، أو العادة الجسدية الظاهرة، فإذا كان هذا السلوك من نوع السلوك الخلقي كان خلقًا مكتسبًا، وكان المؤثر الأول في اكتسابه هو إيجاد الحافز الذاتي لدى مكتسبه.

ولإيجاد الحافز الذاتي عدة طرق، منها الطرق التالية:

1- طريق الإيمان بالله وباليوم الآخر وبقضاء الله وقدره:

فمتى بنيت القاعدة الإيمانية الإسلامية في أعماق كيان الإنسان استطاعت هذه القاعدة أن تهيمن على فكره وقلبه وعواطفه وإرادته، وأن تعمل على ربط إرادته بما يرضي الله تعالى، ولا يخفى ما للإرادة الحازمة في الإنسان من تأثير على مراكز الخلق في نفسه، وقدرة على التحكم في أنواع سلوكه.

إن تركيز القاعدة الإيمانية الإسلامية في الكيان الداخلي للإنسان يرتبط به اليقين المهيمن بأنه لا حكم إلا لله، وبأن الله لا يأمر إلا بالخير، ولا ينهى إلا عن الشر، وبأن مصلحة الإنسان مرتبطة بفعل ما يأمر الله به، وترك ما ينهى الله عنه. ويرتبط به أيضًا اليقين بأن الله تعالى يجازي على الخير خيرًا وعلى السوء سوءًا، وفق قانون الحق والعدل والفضل الرباني. ويرتبط به أيضًا اليقين بأن الله تعالى لا يجري في مقاديره لعباده إلا ما هو خير لهم، فالمؤمن يقابل مقادير الله بالرضا والتسليم فيصبر، ولا يغضب ولا يضجر، ولا يحسد ولا يستكبر، وهكذا.

فالحافز الذاتي الذي يولده الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره حافز مؤثر وفعال جدًّا في دفع كل فرد مؤمن إلى فعل الخير والالتزام به، إنه حافز محرك ودافع وحارس ورقيب ذاتي، يصاحب الإنسان الذي يملك وعيه مصاحبة دائمة، فهو معه في جميع أوقاته، وفي جميع أحواله، إذا كان بين الناس وإذا كان في خلواته، إذا كان منكشفًا في الأضواء وإذا كان مستترًا في الظلمات، وحيث يظن أنه لا يراقبه أحد، وحيث لا تراقبه رقابة قانونية بشرية، ولا تمتد إليه سلطة قضائية، ولا تردعه هيئة اجتماعية.

إن الحافز الذاتي الذي يولده الإيمان بالله واليوم الآخر قوة فوق كل القوى، إنه يقبض على زمام العقل بالحق والبرهان من الله، ويقبض على ناصية القلب بعاطفة محبة الله وابتغاء رضاه والثقة بحكمته، ويقبض على زمام النفس بعاملي الخوف من عقاب الله والطمع بثوابه العظيم.

إنه يقود الإنسان ويسوقه من جميع أركانه الداخلية، فهو قوة عجيبة لا تدانيها قوة أخرى في الوجود كله، ولكن مقدار قوتها في داخل الفرد مناسب لمقدار قوة الإيمان في قلبه زيادة ونقصانًا، فكلما زادت نسبة قوة الإيمان زادت قوة هذا الحافز، وكلما نقصت هذه النسبة نقصت قوة الحافز في نفس الفرد المسلم، وهذا الحافز في مستواه الأعلى يوصل الإنسان إلى مرتبة الإحسان في معظم أعماله، ويجعله من السابقين في الخيرات بإذن الله.

إن الإيمان بالله واليوم الآخر وبقضاء الله وقدره يمثل الجذر الرئيسي لإصلاح الإنسان من أعمق كيانه الداخلي، وعليه تتجمع جذور النفس الإنسانية كلها. وذلك لأن الإنسان متى أيقن بالله حق اليقين، غدا متعطشًا لبلوغ كمالاته بسرعة، ومطمئنًا إلى أن الله هو العليم الحكيم، الذي يعلم أين يكون الخير، ويعلم أين يكون الشر، وهو بعباده رؤوف رحيم ينزل بهم ما يقتضيه خيرهم، ويرشدهم إلى ما فيه خيرهم وسعادتهم، فيأخذ وصايا الله بالتسليم التام، ويلتزمها التزامًا صادقًا، قبل أن يعرف بالتفصيلات الجزئية وبالحجج والبراهين ما في كل فرد من أفرادها من خيرات ومصالح وثمرات كريمة.

هذه الثقة بالله القائمة على اليقين به لا تعادلها ثقة أخرى في الوجود، علمًا بأن الثقة من حيث ذاتها سائق يسوق الإنسان إلى الاتباع والطاعة والرضا والتسليم، دون شعور بعقبة من عقبات المعارضة النفسية.

نحن نلاحظ في واقعنا الإنساني، أننا متى وثقنا بإنسان –بعد أن خبرنا فيه نضج التفكير والتدبير وصدق النصيحة- سلمنا له من غير أن نطالبه بالحجة، مع أن ثقتنا به –مهما عظمت- لا تبلغ درجة الاعتقاد بعصمته عن الخطأ، ولكننا نرجح أن صوابه أكثر من خطئه.

فكيف بمن نعتقد به كمال العصمة، ونحن موقنون بأنه رؤوف رحيم، يحب لنا الخير ويكره لنا الشر؟

لذلك فالنفوذ إلى أعماق النفس الإنسانية بعناصر الإيمان الأساسية، يوجد في الإنسان فاعليات ذاتية، تحرضه على التحلي بمكارم الأخلاق، وسلوك السبيل الأقوم في الحياة.