موسوعةالأخلاق الإسلامية-سماحة النفس (4- من ظواهر خلق سماحة النفس)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-سماحة النفس (4- من ظواهر خلق سماحة النفس)
413 0

الوصف

                                                    سماحة النفس

                                          4- من ظواهر خلق سماحة النفس
                الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل الثامن: سماحة النفس >>

4- من ظواهر خلق سماحة النفس

إضافة إلى ما سبقت الإشارة إليه من ظواهر خلق سماحة النفس، من لين الجانب، ورقة المعاملة ولطفها، واستقبال الأحداث بالرضى والبشر والبعد عن كل عنف وشدة وغلظة وقظاظة ونكد، وطعنٍ ولعنٍ وشتم، وتذمر وتضجر، ومقابلة للناس بما يكرهون، نلاحظ من ظواهر هذا الخلق ما يلي:

* أولًا:
طلاقة الوجه واستقبال الناس بالبشر، ومشاركتهم بالسمع والفكر والقلب.

وطلق الوجه حسن البشر بالناس محبب إليهم، مألوف في نفوسهم، قريب إلى قلوبهم.

وقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على هذه الظاهرة بقوله وعمله، فمن ذلك ما يلي:

(أ) عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

كل معروف صدقة، وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طلق، وأن تفرغ من دلوك في إناء أخيك.

(رواه الإمام أحمد والترمذي).

وهذا في الأحوال الطبيعية يرجع إلى سماحة النفس.

(ب) وعن أبي ذر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طليق

رواه مسلم.

(ج) وروى الترمذي عن أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

تبسمك في وجه أخيك صدقة، وأمرك بالمعروف صدقة، ونهيك عن المنكر صدقة، وإرشادك الرجل في أرض الضلال لك صدقة، ونصرك الرجل الرديء البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشوك والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك في دلو أخيك لك صدقة.

(د) وفي حديث طويل رواه أبو داود بإسنادٍ صحيح عن جابر بن سليم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: له فيه:

وأن تكلم أخاك وأنت منبسط إليه وجهك إن ذلك من المعروف.

(هـ) وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دائم البشر طلق الوجه مشرقًا، يواجه الناس بابتسامة حلوة، ويشارك الناس بمشاعره وحواسه.

روى الترمذي عن عبد الله بن الحارث بن جزءٍ قال: "ما رأيت أحدًا أكثر تبسمًا من رسول الله صلى الله عليه وسلم".

وعن جرير بن عبد الله البجلي قال: "ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت، ولا رآني إلا ابتسم".

وهكذا يكون سمح النفس طلق الوجه باسمًا مشرق المحيا، بخلاف النكد الصعب، حتى يبدو كأنه قرفٌ من كل شيء، فإذا واجه الناس واجههم بسحنة منقبضة لا انبساط فيها ولا بشر، وإذا اجتمع معهم لم يشاركهم بمشاعره ولا بحواسه، وكان بينهم كأنه غريب عنهم، وكأنهم غرباء عنه، في وجهه ولسانه ونفسه، وهذا الوضع يجعله ممقوتًا مكروهًا بعيدًا عن قلوب الناس؛ لأنه وضع يلازمه في معظم أحواله بسبب نكد نفسه الملازم له.

على أن مثل هذه الظاهرة قد تعرض لمعظم الناس إذا نزل بهم ما يكرهون، ولكنها لا تلازمهم، فالسمحاء منهم لا يلبثون أن يرجع إليهم انبساطهم وانشراحهم، والحالة الكئيبة التي ظهرت منهم حالة طارئة مع عارضة الحزن الذي أصابهم، أو الهم الذي انتابهم، ولا تلبث طويلًا في نفوسهم، بل ترجع نفوسهم سريعًا إلى سماحتها وانبساطها ورضاها عن الله.

* ثانيًا:
مبادرة الناس بالتحية والسلام والمصافحة وحسن المحادثة:

فمن كان سمح النفس بادر إلى هذه المحاسن، ووجودها في الإنسان طبيعية غير متكلفة، يدل على أنه سمح هين لين رقيق حاشية النفس، ألوف ودود لا فظ ولا غليظ.

أما نكد النفس فلا يفعلها إلا متكلفًا، ولمصلحة يقصد الحصول عليها.

وقد حث الإسلام على هذه المحاسن من ظواهر الأخلاق الاجتماعية بنصوصه كما كان الرسول صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة فيها بعمله وأخلاقه، وفيما يلي طائفة من الشواهد على ذلك:

(أ) ففي السلام يقول الله تعالى في سورة (النور 24):

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا (27))

ولتستمر عادة البدء بالسلام أرشدنا الله إلى أن نسلم على أنفسنا إذا دخلنا بيوتًا ولم نجد فيها أحدًا من الناس نسلم عليه، وجعلها الله تحية من عنده مباركةً طيبة لنا، فقال تعالى في سورة (النور 24):

(فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً)

وكلف الله من وجهت له تحيةٌ من أخيه المؤمن أن يحييه بأحسن منها أو بمثلها، فقال تعالى في سورة (النساء 4):

(وَإِذَا حُيِّيتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا (86))

وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم في الحث على إفشاء السلام ذوات عدد، منها ما يلي:

* روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص، أن رجلًا سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال:

تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف.

* وروى مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أو لا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم.

* وروى الترمذي -وقال حديث صحيح- عن عبد الله بن سلام قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

يا أيها الناس، أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام.

* وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم أصحابه هذا الأدب الإسلامي بشكل عملي، في كل الأحوال التي يطلب فيها البدء بالسلام.

* وطبق أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم في حياتهم هذا الأدب، حتى إذا حجب بعضهم عن بعض بشجرة وهم يمشون في طريق واحدة، سلم بعضهم على بعض بعد ذلك.

(ب) وفي المصافحة بوصفها مظهرًا من مظاهر البشر وحسن التلاقي وآدابه، نجد عدة نصوص منها ما يلي:

* روى البخاري عن قتادة قال: قلت لأنسٍ رضي الله عنه: أكانت المصافحة في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم.

* وروى أبو داود بإسناد صحيح عن أنسٍ قال: لما جاء أهل اليمن، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

قد جاءكم أهل اليمن، وهم أول من جاء بالمصافحة.

* وروى أبو داود عن البراء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما من مسلمين يلتقيان فيتصافحان إلا غفر لهما قبل أن يفترقا.

* ثالثًا:
حسن المصاحبة والمعاشرة والتغاضي وعدم التشدد في الأمور:

فمن كان سمح النفس كان حسن المصاحبة لإخوانه، ولأهله، ولأولاده، ولخدمه، ولكل من يخالطه، ولكل من يرعاه.

وكان حسن المعاشرة خفيف المحاسبة والمؤاخذة، متغاضيًا عن المخالفات التي تتعلق به، لا يتشدد في الأمور، ولا يعظم الصغائر، بل يلتمس العذر لمن يقصر معه أو لا يعطيه من الاحترام أو الخدمة حقه.

وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم المثل الكامل في ذلك كله، فمما ورد في السنة من شمائله ما يلي:

(أ) روى البخاري ومسلم عن أنس خادم الرسول صلى الله عليه وسلم قال: خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي: أفٌ، ولا: لم صنعت؟ ولا: ألا صنعت؟

وروي عنه أنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن ثمان سنين، خدمته عشر سنين، فما لامني على شيءٍ قط أُتي فيه على يدي، فإن لامني لائم من أهله قال:

دعوه فإنه لو قضي شيءٌ كان.

أُتي فيه على يدي: أي أهلك أو أتلف على يدي.

فكان صلوات الله عليه من سماحة نفسه وخلقه العظيم لا يتضجر من عملٍ عمله خادمه ولو خالف ما يريد منه، ولا يلومه على عمل لومًا صريحًا ولا لومًا غير صريح، فلا يقول له: لم صنعت؟ تلويمًا على فعل صنعه، ولا يقول له: ألا صنعت؟ تلويمًا على عمل لم يقم به.

وإذا كان هذا شأنه مع خادمه فما بالك بشأنه مع أهله وأصحابه، وسائر الناس؟!

(ب) وروى مسلم عن أنسٍ قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت: والله لا أذهب، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، قال فنظرت إليه وهو يضحك، فقال:

يا أنيس ذهبت حيث أمرتك؟

 قلت: نعم أنا أذهب يا رسول الله.

(ج) ومن سماحته وحلمه وخلقه العظيم قصته مع الأعرابي الذي أخذ يجذب رداءه بشدة ليأمر له بعطاء.

فقد روى البخاري ومسلم عن أنسٍ قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه بردٌ نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابيٌ فجبذه بردائه جبذةً شديدة، ورجع نبي الله صلى الله عليه وسلم في نحر الأعرابي، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ضحك ثم أمر له بعطاء.

(د) ومن سماحته وجوده صلوات الله عليه أنه ما سئل شيئًا قط، فقال: لا.

كذا روى البخاري ومسلم عن جابرٍ رضي الله عنه.

(هـ) ومن سماحته وتواضعه ولين جانبه صلوات الله عليه، أنه كانت تأتيه أمةٌ ضعيفة فتأخذ بيده ليقضي لها من حوائجها، فيتقبل ذلك بنفسٍ هينة لينة سمحة، ثم لا يشعرها بتذمر ولا تنكر.

روى الإمام البخاري عن أنس قال: كانت أمة من إماء أهل المدينة تأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت.

(و) ومن سماحته وتواضعه وصبره صلوات الله عليه، أنه كان يتحمل المتاعب في نفسه من أجل الضعفاء والمساكين.

روى البخاري عن أنس: أن امرأةً كان في عقلها شيءٌ، فقالت: يا رسول الله، إن لي إليك حاجة، فقال:

يا أم فلان، أي السكك شئت حتى أقضي لك حاجتك

فخلا معها في بعض الطرق حتى فرغت من حاجتها.

وروى مسلم عن أنس أيضًا قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى الغداة جاء خدم المدينة بآنيتهم فيها الماء، فما يأتون بإناءٍ إلا غمس يده فيها، فربما جاؤوه بالغداة الباردة فيغمس يده فيها.

وقد كانوا يفعلون ذلك لينالوا من بركته صلوات الله عليه.

(ز) ومن سماحته ويسره صلوات الله عليه