موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة (2- موقف الإسلام من خلق علو الهمة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة (2- موقف الإسلام من خلق علو الهمة)
319 0

الوصف

                                                     علو الهمة

                                         2- موقف الإسلام من خلق علو الهمة
                  الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل التاسع: علو الهمة >>

2- موقف الإسلام من خلق علو الهمة

والإسلام يحث على علو الهمة، ويحرص على تربية المسلمين على هذا الخلق الكريم، وعلى كل الظواهر الخلقية الرفيعة التي ترجع إليه.

فمن الملاحظ في الإسلام أن الإيمان والعمل قرينان، والعمل هو الظاهرة المادية لعلو الهمة في النفس، والعمل هو التحرك الهادف الجاد الذي تبذل فيه طاقة من الطاقات، لتحقيق غاية من الغايات.

ومن الملاحظ في الإسلام أنه يعمل على ترقية غايات المسلمين إلى الغايات الرفيعة المثلى، وهذا إعلاء لهمتهم النفسية، ورفع لها عن الصغائر والدنايا، وأخذٌ بيدها إلى معالي الأمور.

وقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم مليئة بألوان تربية المسلمين على خلق علو الهمة، الذي يستلزم الجد والإباء والترفع عن الصغائر والدنايا، والطموح إلى المعالي.

ومن تربية الإسلام المسلمين على خلق علو الهمة توجيههم لكسب أرزاقهم عن طريق الكدح والعمل والمشي في مناكب الأرض، وتوجيههم للترفع عن مسألة الناس ما لم تدع الضرورة إليها، وتعريفهم بأن اليد العليا خير من اليد السفلى، وتوجيههم للتنافس والتسابق في فعل الخيرات، والتنافس والتسابق إلى معالي الأمور، ورفيع المنازل بالعمل الصالح والمكتسبات الإرادية الخيرة، وتعويدهم الجد في أعمالهم، والقيام بها بمهمةٍ ونشاط، وأمرهم بالجهاد ومجاهدة النفس، والجهاد أقصى مراتب العمل الجاد.

وفي مقابل ذلك ذم الإسلام التواني والكسل، وأمر بالبعد عن الهزل واللهو واللعب وكل أمرٍ لا فائدة ترجى منه، وأمر بالبعد عن سفاسف الأمور، والترفع عن الدنايا والمحقرات، والزهد بالدنيا طلبًا لما هو أجل وأعظم، وأبقى وأخلد، ألا وهو النعيم المقيم في جنات النعيم الخالد.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر رسل الله يتحلون بخلق علو الهمة، وارتقى الأمر ببعضهم حتى كان من أولي العزم، ولذلك أمر الله رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يصبر كما صبر أولو العزم من الرسل، حتى يكون من أولي العزم، فقال له في سورة (الأحقاف 46):

(فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ (35))

ووضع الإسلام المسلمين في موضع قيادة الخلق إلى الحق، وحملهم تبعات هذه القيادة، وفي هذا غرس لخلق علو الهمة في نفوسهم، ودفع شديد لهم حتى يتحلوا بكل ظواهرها، ويسيروا في السبل التي لا تجتاز إلا بعلو الهمة، ويحاولوا اختراق الصعاب وتحمل المشقات، والاستهانة بما يعترضهم من آلام، طموحًا إلى المجد الذي يصبون إليه بعلو همتهم.

ولما كان مجد الآخرة أعظم المجد كان ابتغاؤه أعظم الغايات، وكان هو الهمّ الأكبر للمؤمنين الصادقين ذوي الهمم العلية، والنفوس الكبيرة الزكية. أما الدنيا فإنها في نظرهم -مهما بلغت أمجادها- قليلة القيمة في جنب الآخرة، لذلك فهم يحاولون أن يبتغوا فيما آتاهم الله الدار الآخرة، مع أنهم لا ينسون نصيبهم من الدنيا.

وكلما علت همة الإنسان كانت مطالبه أسمى، وصغرت في عينه المطالب الدنيا، فلا يهتم لها كثيرًا، ولا يتتبعها إلا بمقدار الحاجات؛ ولذلك فهو لا يدنس نفسه بالدناءات ومحقرات الأمور، ولا يبذل رأس مال حياته من جهد وطاقة وعمر فيما لا جدوى منه، فضلًا عن أن يبذل شيئًا من ذلك فيما فيه مضرة له أو لغيره، من المضرات بالدين أو المضرات بالدنيا.

فخلق علو الهمة مع حسن البصر بالأمور وتقديرها حق قدرها، يبعد صاحبه عن المعاصي والآثام؛ لأنها دنايا ومستقذرات. ويدفع صاحبه لمجاهدة نفسه عن شهواتها الجانحة، تزكية لها، وإعلاء من شأنها. ويدفع صاحبه أيضًا للتسابق في ميادين الطاعات والعبادات والأعمال الصالحات، للظفر بمراتب المجد الرفيع في الآخرة؛ لأنها إنما تنال بذلك. ويدفع صاحبه أيضًا للتسابق في ميادين المعرفة للظفر بالدرجات الرفيعة التي فضل الله بها العلماء. ويدفع صاحبه أيضًا للتحلي بأفضل مكارم الأخلاق، للظفر بمرتبة القرب من الله ورسوله، والظفر بالذكر الحميد في الدنيا دار الفناء، وفي الآخرة دار الجزاء. فهو وسيلة عظيمة من وسائل الارتقاء في سلم كل مجد عظيم، ولكن بشرط أن يقترن بحسن التبصر بالأمور، وتقديرها حق قدرها، وإلا ضاعت طاقات الإنسان هدرًا، وتاهت اندفاعاته، وكانت عزائمه ألعوبة في أيدي شذوذاته الفكرية.

* ولخلق علو الهمة ظواهر في السلوك تنجم عنه، وفيما يلي شرح لطائفة منها: