موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة ( 11- لواحق علو الهمة)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-علو الهمة ( 11- لواحق علو الهمة)
281 0

الوصف

                                                    علو الهمة

                                          11- لواحق علو الهمة
                  الباب الرابع : جوامع مفردات الأخلاق وكلياتها الكبرى >> الفصل التاسع: علو الهمة >>

11- لواحق

من غرائب التوجيه إلى خلق علو الهمة، ما جاء في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم من أن الله تبارك وتعالى يحب العطاس ويكره التثاؤب، فقد روى البخاري عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

إن الله يحب العطاء ويكره التثاؤب، فإذا عطس أحدكم وحمد الله تعالى كان حقًا على كل مسلم سمعه أن يقول له: يرحمك الله، أما التثاؤب فإنما هو من الشيطان، فإذا تثاءب أحدكم فليرده ما استطاع، فإن أحدكم إذا تثاءب ضحك منه الشيطان.

وفي رواية عند مسلم:

فإن أحدكم إذا قال: ها. ضحك الشيطان منه.

فالعطاس الذي لا يكون عن مرض كالزكام مثلًا، هزة عصبية موقظة للنشاط والعمل، والنشاط والعمل من علو الهمة النفسية والجسدية، بخلاف التثاؤب، فهو ظاهرة من ظواهر الفتور والكسل، وميل الأعصاب إلى الاسترخاء والإخلاد إلى الراحة، وعزوف النفس عما يحركها للعمل والإنتاج، وكل ذلك من نزول الهمة.

ولذلك جعل الرسول صلى الله عليه وسلم التثاؤب من الشيطان، أي مما يرضي الشيطان ويسره من الإنسان، تنفيرًا منه، وليدفعه المسلم عن نفسه ما استطاع، حتى لا يقع فريسة لمثبطات الشيطان، ولما يحب من عجز وكسل، وتوانٍ عن العمل، وفتور في الهمة.

ولما كان العطاس الذي لا يكون ظاهرة مرضية دالًا على حركة عصبية باعثة على اليقظة والنشاط، وكان أمرًا انفعاليًّا غير إرادي، كان حقًا على العاطس أن يحمد الله عليه؛ لأنه نعمة ربانية جاءته لتوقظه وتنشطه إلى العمل، وكان حقًا على من سمعه من المسلمين أن يشاركه السرور بهذه الرحمة الربانية التي جاءته، فيدعو له بأن يرحمه الله.

كما أنه مناسبة يتصيدها المؤمن ليذكر الله عندها، ويتصيدها جلساؤه ليدعوا له بالرحمة، فتشتد بين المؤمنين أواصر المودة وروابط الأخوة، وهذا من عناصر المشاركة الجماعية في الإسلام، التي تتبع كل صغيرة وكبيرة.

أما التثاؤب فلما كان عنوانًا للكسل والخمول وتواني الهمة، فهو بهذا المعنى نقص عن الكمال ونزول في الهمة، ومن أجل ذلك كان من الأدب الإسلامي أن يرده المسلم عن نفسه ما استطاع، وكان من أدب جليسه أن يعرض عنه ويتجاهله، وينطلق فيما هو فيه كأنه لم يعلمه من جليسه، فالمسلمون يفرح بعضهم لبعض بما يأتيهم من نعمة وكمال، ويغضي بعضهم عن بعض فيما يصيبهم من نقص.

ومن آداب التثاؤب أن يمسك المتثائب بيده على فمه، ليستر منظر فتح الفم، وليمنع تأثيرات الشيطان الداعية إلى الكسل، روى مسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

إذا تثاءب أحدكم فليمسك بيده على فمه، فإن الشيطان يدخل.

أي فإن الشيطان يجد مدخلًا للتأثير بوساوس الكسل.

وفي بيان آداب العاطس وآداب تشميت العاطس، روى البخاري عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

إذا عطس أحدكم فليقل: الحمد لله، وليقل له أخوه أو صاحبه: يرحمك الله. فإذا قال له يرحمك الله فليقل: يهديكم الله ويصلح بالكم.

وروى مسلم عن أبي موسى قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:

إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه، وإن لم يحمد فلا تشمتوه.

أي: إذا حمد الله فقولوا له: يرحمكم الله، فهذا هو التشميت.

قال أهل اللغة: تشميت العاطس الدعاء له، قال ابن سيدة: شمت العاطس وسمت عليه: دعا له أن لا يكون في حال يشمت به فيها. والسين لغة عن يعقوب وكل داع لأحدٍ فهو مشمت له ومسمت، بالشين والسين، والشين أعلى وأفشى في كلامهم.


وحكي عن ثعلب أنه قال: الأصل فيها السين من السمت وهو القصد والهدي.  انظر لسان العرب لابن منظور.  

فإذا تكرر العطاس دل على أن الرجل مزكوم، روى مسلم عن سلمة بن الأكوع، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم وعطس رجل عنده فقال له:

يرحمك الله

ثم عطس أخرى فقال:

الرجل مزكوم