موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (3- في أبرز خصائص المسلم والمهاجر)

الوصف
نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية
3- في أبرز خصائص المسلم والمهاجر
3- في أبرز خصائص المسلم والمهاجر
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه.
في هذا الحديث تنبيه على أبرز خصائص المسلم، وأبرز خصائص المهاجر، فمن لم يتحقق بهذه الخصائص لم يكن من أهل هذا الاسم حقًا.
فالمسلم المتحقق بإسلامه هو من يسلم المسلمون من شر لسانه وشر يده.
والمهاجر إلى الله المتحقق بمعنى الهجرة في سبيل الله وابتغاء مرضاته هو من يهجر حقًا ما نهى الله عنه.
وبتحليل الموضوع إلى عناصره يتبين لنا هذا واضحًا، وذلك لأننا إذا تبصرنا في تعاليم الإسلام، وجدنا أعظم غاياتها بعد الإيمان بالله وعبادته وحده تتكثف حول مصلحة الجماعة وسعادتها ورفاهها ونظام حياتها، وهل يتحقق هذا والجماعة عرضة لعدوان الأفراد وظلمهم لها باليد أو باللسان؟ وهل يكون إسلام الفرد صحيحًا سليمًا مستوفيًا عناصره وهو يخالف تعاليم إسلامه في أهم العناصر وأبرزها، والتي أولاها الله عز وجل عناية كبيرة في التوجيه والأحكام الشرعية وترتيب الجزاء؟
ولو فرضنا أن إنسانًا ما هو قائم بفروض العبادات المحضة، إلا أنه يؤذي المسلمين بلسانه، فيستغيب هذا، ويشتم هذا، ويسعى بالنميمة ليفرق بين الإخوان في الله، ويؤذي المسلمين بيده، فيضرب ويقتل ويسرق ويرمي الأذى في طرقاتهم أو على بيوتهم، ويقذر مساجدهم ومواطن عبادتهم، فإن عبادته لربه وقيامه بفروضه سيذهبان هدرًا، يسدد منها حقوق من ظلمهم، حتى إذا ظهر إفلاسه طرح عليه من سيئات من آذاهم وظلمهم.
وإذا تبصرناه في الغاية الأساسية من الهجرة المادية التي تكون من بلد الكفر إلى بلد الإسلام، وجدنا أن الغاية الأساسية منها أن يهجر المسلم المهاجر ما نهى الله عنه، فالهجرة المادية من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام تساعد على تحقيق هذه الغاية للمهاجر ولأهله وأولاده وسائر أسرته، إذ تحميهم من الفتنة في دينهم عقيدة وسلوكًا، وتضعهم في البيئة الإسلامية الصالحة التي تساعدهم وتنشطهم للقيام بالأعمال الإسلامية التي تطلب منهم، كما أنه بالهجرة إلى بلد الإسلام يشدّ أزر المسلمين ويقوي شوكتهم ويعزز قوتهم الدفاعية أو الاقتصادية أو العلمية أو غير ذلك.
والهجرة المادية وحدها هجرة جسدية، لا تتضمن غير مفارقة الوطن والتنازل عن بعض المصالح الدنيوية، وقد تلتبس بقصد منافع ومصالح دنيوية أخرى، كما جاء في حديث:
إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه.
أما الهجرة الحقيقية المعنوية فهي هجرة قلبية ونفسية وعملية من مواقع الكفر والعصيان إلى مواقع الإسلام والطاعة، وهذه هي الجديرة بأن تكون هي الهجرة الكبرى؛ لأنها تتضمن مفارقة كل ما فيه معصية لله تعالى مما تتعلق به الأهواء والشهوات ومحاب الأنفس، وتتضمن التنازل عن كل ما يراه الإنسان لنفسه مصلحة ويراه الشارع له إثمًا، وهذه الهجرة المعنوية القلبية والنفسية والسلوكية لا تلتبس بقصد منافع ومصالح دنيوية تأتي من غير طريق الله، فالنية السامية مقترنة بها غالبًا.
وكم يهاجر مهاجر من بلد الكفر إلى بلد الإسلام ولكنه مع ذلك لا يهاجر من مواقع المعاصي والآثام، إلى مواقع الطاعة وحسن الانقياد والاستسلام.
وهكذا أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيد المسلم ليبصره بالموقع الحقيقي الذي يكون فيه معلن الإسلام مسلمًا حقًا، مأمون الجانب من قبل المسلمين، لا ينال المسلمين منه أذى لا من لسانه ولا من يده، وهذا في أدنى حدود ارتباط الفرد بالجماعة الإسلامية، ويأتي فوق هذا ما على المسلم أن يبذله من لسانه ويده وماله ونفسه من أنواع عطاء ينفع بها جماعة المسلمين وأفرادهم.
وكذلك أخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بيد المهاجر ليبصره بالموقع الحقيقي الذي يحتله المهاجر الحق، وهو الموقع الذي يهجر فيه المسلم جميع ما نهى الله عنه، وهذا في أدنى حدود تحقق المسلم بالطاعة لله تعالى، ثم يأتي من فوق ذلك ما على المسلم أن يفعله من خيرات ومبرات وعبادات يرتقي بها في معراج القرب من الله، والهجرة عن الأرضيات أيًّا كان شأنها، وهذه هي الهجرة العظمى ذات العروج والصعود إلى الله العلي المتعال، ومن ليس عنده هجرة من هذا النوع فهو من الذين أخلدوا إلى الأرض، ورضوا بالحياة الدنيا عن الآخرة.