موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (6- في الإيمان والجهاد والبذل والتعاون وكف الأذى)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (6- في الإيمان والجهاد والبذل والتعاون وكف الأذى)
136 0

الوصف

                                                    نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية

                                                  6- في الإيمان والجهاد والبذل والتعاون وكف الأذى

6- في الإيمان والجهاد والبذل والتعاون وكف الأذى

روى البخاري ومسلم عن أبي ذر جندب بن جنادة قال:

قلت: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟

قال:

الإيمان بالله والجهاد في سبيله.

قلت: أي الرقاب أفضل؟

قال:

أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا.

قلت: فإن لم أفعل؟

قال:

تعين صانعًا أو تصنع لأخرق.

قلت: يا رسول الله أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟

قال:

تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك.

* في هذا الحديث توجيهات خلقية كريمة:

فالأول:
الإيمان بالله، وهو أفضل الأعمال، وأعظم الأسس الأخلاقية؛ لأنه الاعتراف القلبي والإذعان النفسي للحقيقة الكبرى في الوجود، وهذا الاعتراف وهذا الإذعان سلوك أخلاقي، وعمل من الأعمال، ولذلك جعله الرسول صلى الله عليه وسلم أفضل الأعمال.

والإيمان غير مجرد المعرفة، إن المعرفة وحدها لا تكون إيمانًا، حتى يقترن بها إذعان قلبي ونفسي خاضع للإرادة الحرة داخل الإنسان، فهو بذلك يدخل في عموم العمل الإنسان الإرادي؛ لأنه حركة إرادية، وليس انفعالًا ضروريًّا كحصول المعرفة بعد حصول أسبابها.

والثاني:
الجهاد في سبيل الله، وهو من أفضل الأعمال بعد الإيمان، وظاهرة من ظواهر الأخلاق الإيمانية.

فالجهاد في سبيل الله لا يتأتى في سلوك الإنسان ما لم يسبقه الإيمان، ولا يكون سمة ملازمة لسلوك المؤمن ما لم يسبقه تدريب نفسي وجسدي، حتى يتأصل في العادة العملية، وهذا يكشف ما في الجهاد في سبيل الله من أنه ظاهرة من ظواهر الأخلاق الإيمانية.

يضاف إلى ذلك أن الجهاد في سبيل الله لا يتحقق في الواقع ما لم تكن الغاية منه ابتغاء مرضاة الله تعالى، وهذه الغاية هي من أرقى الغايات الخلقية.

والثالث:
عتق أنفس الرقاب عند أهلها وأكثرها ثمنًا، فهو يدخل في خلق الجود وحب العطاء؛ لأنه تنازل عن حق الملك الشخصي بوجه من وجوه الخير، وحينما تكون الغاية منه ابتغاء مرضاة الله تعالى، يكون عملًا نابعًا من خلق نفسي كريم، غير مقتصر على السلوك الظاهر.

وقد أبان الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر أن أفضل الرقاب التي إذا أعتقها مالكها نال الثواب الأفضل عند الله تعالى، هي أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنًا، وذلك لأن بذلها فيه فعالية قوية للنفس، لتعلق النفس بها، وفيه اقتحام عقبة كبرى من عقبات النفس، والله تعالى يقول: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)

والرابع:
معونة المسلم لأخيه، وفي التوجيه لهذا قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:

تعين صانعًا، أو تصنع لأخرق.

وفي هذا توجيه لعمل أخلاقي كريم، إذ المعونة بذلٌ وعطاء من الجهد للآخرين، وهو من مكارم الأخلاق لا محالة، ما لم تكن معونة على الإثم أو العدوان أو معصية الرسول.

ومعاونة الصانع في صنعته التي يعملها معروف إنساني يقدمه الإنسان لأخيه، سواء أكانت معاونة مادية أو فكرية أو تشجيعية أو غير ذلك. لا سيما إذا كان من يريد الصنعة أخرق لا يحسن ما يحاول فعله، فمساعدته حينئذٍ معروف يشبه البذل للفقير أو المسكين؛ لأنه فقير في صنعته إلى من يساعده ويصنع له.

والخامس:
وهو عمل سلبي خلقي، ويأتي في أدنى مراتب العمل الأخلاقي، وهو أن يكف الإنسان شره عن الناس، وهو ما أجاب به الرسول صلى الله عليه وسلم أبا ذر حين قال له: يا رسول الله، أرأيت إن ضعفت عن بعض العمل؟ فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم:

تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك.

أي أرأيت إن ضعفت عن عمل أعين به الناس، أو أفعل به الخير لهم، فأرشده الرسول صلى الله عليه وسلم إلى عمل سلبي يستطيعه كل إنسان مهما بلغ به الضعف، ألا وهو كف شره عن الناس.

فالإمساك عن فعل الشر مع رغبة النفس به سلوك خلقي كريم، يثاب عليه المؤمن ما ابتغى به وجه الله تعالى، ويكون عندئذ هذا الإمساك عن الشر صدقة يتصدق بها الإنسان على نفسه.

على أن كف الشر عن الناس صدقة خفية عليهم، ولكنها لا تدرك عند كثير من الناس، لا سيما إذا كان كف الشر عملًا إراديًّا مقصودًا مع حاجة النفس إليه، أما حينما يكون انصرافًا غير مقصود لعدم تعلق النفس به، فإن حينئذٍ لا يكون كفًا أخلاقيًّا، إذ العمل الأخلاقي هو ما كان أثرًا لدافع أخلاقي، ومقترنًا بنية أخلاقية.

وفي الحديث دلالة على حرص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم على أمور دينهم، وما يقربهم إلى الله تعالى من الأعمال، وما يغنمون به أعظم الأجر عنده، وعلى حرصهم على الارتقاء في سلم المجد العظيم، ولذلك كانوا النموذج الأمثل للمجتمع الأخلاقي المسلم.