موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (7- في التعاون بين المسلمين والحث على العلم ومسؤولية الإنسان الشخصية، وفي أن الجزاء من جنس العمل)

الوصف
نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية
7- في التعاون بين المسلمين والحث على العلم ومسؤولية الإنسان الشخصية، وفي أن الجزاء من جنس العمل
7- في التعاون بين المسلمين والحث على العلم ومسؤولية الإنسان الشخصية، وفي أن الجزاء من جنس العمل
روى مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه، ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة، وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى، يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه.
في هذا الحديث حثٌ على وجوه من معونة المؤمن لأخيه المؤمن، وبيان لقاعدة من قواعد الجزاء الرباني، وهي أن الجزاء يكون من جنس العمل.
* وقد اشتمل على موضوعات سبعة، فيها توجيهات جميلة، لفضائل جليلة:
1- الموضوع الأول:
ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة.
فقرر هذا البيان أن الجزاء بالثواب من جنس العمل إلا أنه أعظم وأجل.
والتنفيس في اللغة يأتي بمعنى التفريج والتوسعة، وكأن هذا المصدر مأخوذ من النفس التي يضغط فيها الهم والغم والحزن، فالتنفيس عنها هو إخراج ما يضغط في داخلها من ذلك، بتوسعة وتفريج، أو مأخوذٌ من النفس وهو الذي يتنسمه الإنسان فيستروح به، ويخلص به من حالة الضيق المادي الذي يصيبه إذا هو لم يأخذ منه جديدًا ولم يطرد منه محترقًا، ثم جرى نقل هذا المعنى المادي على سبيل الاستعارة إلى المعاني النفسية.
والكرب في اللغة الحزن والغم الذي يأخذ بالنفس، ويضغط فيها ضغطًا مؤلمًا، والاسم منه الكربة، وجمعها كرب.
والكرب الضاغطات في الأنفس المؤلمات لها، لا تستريح الأنفس منها إلا بالتنفيس.
وهنا يأتي دور مساعدة المؤمن لأخيه المؤمن، بتنفيس الكرب عنه إذا هي حلت به، أو حل به شيءٌ منها. وبغية مساعدته ينظر في سبب الكربة: فإذا كانت كربته من جهة فقره وحاجته ساعده حتى يسد حاجته، ويرفع عنه ضرورته، سواء أكان ذلك من ماله، أو من مساعيه الحسنة، بدعوة ذوي الإحسان إلى البذل له والتوسعة عليه. وإذا كانت كربته بسبب حاجته إلى قرض حسن يدفع به ضرورة ملحة أقرضه. وإذا كانت كربته بسبب مصيبة حلت فيه واساه وعزّاه حتى تنفرج عنه الكربة. وإذا كانت كربته بسبب حاجته إلى شفاعة حسنة شفع له. وإذا كانت كربته بسبب حاجته إلى زواج سعى في تزويجه. أو بسبب حاجته إلى عمل سعى في تهيئة العمل الملائم له. أو بسبب حاجته إلى تداوٍ من علة سعى له فيما يريد حتى تنفرج كربته. أو بسبب حالات نفسية خاصة واساه ونصح له وعالجه علاجًا نفسيًّا حتى ينفس عنه كربته.
وجزاؤه عند الله أن يكافئه على عمله بثواب من جنس عمله، وذلك بأن ينفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، وفرق كبير بين كرب الدنيا وكرب يوم القيامة. إن كرب الدنيا كلها لو جمعت لا تعادل بعض كرب يوم القيامة، فنعم الثواب ثواب من ينفس الكرب عن إخوانه المؤمنين في هذه الحياة الدنيا، إنه لثواب عظيم.
هذا الخلق الاجتماعي العظيم الذي يدعو إليه الإسلام يشتمل على عنصر المشاركة الوجدانية، وعنصري المساعدة المادية والمعنوية، ويعبر عن حقيقة الأخوة الإيمانية في الواقع التطبيقي، ويبرز معاني الجسدية الواحدة القائمة بين المؤمنين، وكل هذه الفضائل من صميم مكارم الأخلاق الاجتماعية.
2- الموضوع الثاني:
ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
ومن يسر على معسرٍ يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
وقرر هذا البيان أيضًا أن الجزاء بالثواب في سنة الله من جنس العمل، إلا أنه أعظم وأجل، إنها سنة ربانية، وقاعدة تربوية عظيمة.
فمن يسر على معسر في الدنيا يسر الله عليه في الدنيا والآخرة.
والتيسير هو التسهيل والمسامحة، ويكون التيسير على المعسر من وجوه شتى. منها التيسير على المدين إذا حل أجل الدين ولم يجد عنده ما يفي به دينه، وذلك بإنظاره أو مسامحته، والله تبارك وتعالى يوصينا بهذا فيقول في سورة (البقرة 2):
(وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (280))
فأمر بالنظرة إلى الميسرة، والنظرة هي الانتظار، ووجه إلى ما هو خير منها وهو التجاوز والمسامحة، وسمى ذلك صدقة؛ لأنه من قبيل الصدقة الخفية.
وقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلًا كان يداين الناس فإذا حل الأجل ولم يجد لديهم ما يؤدون منه ديونهم تجاوز عنهم، فكافأه الله على ذلك فتجاوز عنه وأدخله الجنة.
ومن التيسير على المعسر التيسير في المبايعات، وذلك بالتساهل معه إذا لم يكن لديه ما يفي بثمن السلعة، أو بتأجيل بقية ثمنها.
ومن التيسير على المعسر التيسير على الصانع الذي لم يتمكن من تأدية العمل في الوقت المحدد له، وذلك بالتسامح معه، وبتأجيله إلى وقت آخر، إلا أن يكون كاذبًا مراوغًا فللكاذب جزاؤه.
وهكذا تكثر المجالات التي يكون فيها التيسير على المعسرين، وجزاء الميسرين أن الله تبارك وتعالى ييسر عليهم أمورهم في الدنيا دار الابتلاء والجزاء الأصغر، وفي الآخرة دار الجزاء الأكبر.
3- الموضوع الثالث:
ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
ومن ستر مسلمًا ستره الله في الدنيا والآخرة.
فمن أخلاق المسلم أن يستر أخاه ولا يفضحه، ما لم يجاهر في معصيته أمام الناس، وما لم تكن معصيته مما يتعلق بها حقٌ من حقوق الناس، أو حق من الحقوق العامة، أو تفضي إلى الإضرار بمصالح المسلمين الكبرى.
وجزاء من يستر أخاه المسلم أن يستره الله في الدنيا وفي الآخرة.
وجاء في حديث آخر للرسول صلى الله عليه وسلم:
لا يستر عبد عبدًا في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة.
4- الموضوع الرابع:
ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
فمعاونة المسلم لأخيه المسلم فضيلة خلقية يقترن بها دائمًا عون من الله له مكافأة له على عمله.
ومن هذا الإنسان الذي لا يحتاج إلى معونة الله في أموره كلها؟ ومن هذا الإنسان الذي يستطيع أن يستغني عن الله في أي شأن من شؤونه؟
إن جزاء من يكون في عون أخيه واصل إليه تباعًا ما دام في عون أخيه، ولكن ثواب الله دائمًا أعظم من عمل الإنسان، فالحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، والثواب الرباني معجل ومؤجل.
فمن كان في حاجة إلى معونة ربانية في أمر من أموره فليسع في معونة أخ مسلم له يجد الله معه يمده بعونه، وييسر له أمره، وهذا من الأمور المجربة التي يقترن بها برهانها التطبيقي.
ومجالات المعونة كثيرة جدًّا لا تكاد تحصر، ولكن يشترط في المعونة أن لا يكون فيها معاونة على الإثم أو العدوان، أو مخالفة لأوامر الله ونواهيه، أو لأوامر الرسول ونواهيه، وفيما عدا ذلك تستحب المعونة أو تجب، على حسب واقعة الحال التي تستدعي المعونة.
فالعون يكون في مجال المساعدة بالمال، وبالجسم، وبالقول، وبالجاه، وبالفكر والمشورة النافعة، وبالعلم، وبالشفاعة الحسنة، والإمداد بالقوة والإمداد بالرجال، وما من عمل في الحياة إلا له جوانب يمكن أن تكون مجالًا من مجالات العون، والعون الأسمى يكون في الإيثار.
والعون مظهر من مظاهر خلق حب العطاء أحد الأسس الأخلاقية العامة التي تنبع منها جملة من مكارم الأخلاق.
5- الموضوع الخامس:
ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
ومن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
ففي هذا القول النبوي دعوة إلى الأخذ بسبل العلم والمعرفة، وحث جميل على التماس العلم وسلوك طرقه.
ومن الروائع التي اشتمل عليها هذا التوجيه أن طرق العلم والمعرفة هي طرق إلى الجنة؛ لأن العلم الصحيح الذي لا تدليس فيه ولا تزوير، من شأنه أن يدل على الله؛ لأن الله تبارك وتعالى قد أودع في كل حقيقة علمية من حقائق الوجود دليلًا عليه سبحانه، فمن طلب الحقيقة صادقًا في طلبها سهل الله له طريقًا يوصله إلى معرفة الحقيقة، وهذه الحقيقة لا بد أن تنقله إلى معرفة الله، ومن كان صادقًا مع نفسه في طلب الحقيقة الصغرى فإن الحقيقة الكبرى ستفرض نفسها عليه، فيذعن لها ويؤمن بها، وعندئذ يسلك طريقه بالإيمان إلى جنة الرضوان، فمن سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة.
وفي مقدمة العلوم التي من التمسها سهل الله له بها طريقًا إلى الجنة علوم الدين، على أن العلوم الأخرى -باستثناء العلوم الضارة المحرمة، وباستثناء الآراء الباطلة والأكاذيب التي تسمى علمًا- من شأنها أن توصل طالب الحق الصادق في طلبه إلى معرفة الله، وهذه المعرفة تأخذ به إلى سلوك طريق الجنة؛ لأن العلوم الكونية الحقة تدل بظاهرة الإتقان وإحكام الصنعة على المتقن الحكيم، فمن كان صادقًا في طلب الحقيقة، باحثًا عنها بحث العالم المنصف توصل إلى معرفة الله، ومن توصل إلى معرفة الله وهو في نفسه منصف محب للحق فلا غرو أن يؤمن، والإيمان الصادق هو فاتحة الطريق الموصل إلى الجنة، ولذلك نجد معظم العلماء المنصفين الباحثين عن الحقيقة مهما كان نوع اختصاصهم ينتهون بعد التعمق في البحث العلمي إلى الإيمان بالله جل وعلا، وهذا ما تشهد به أقوالهم الكثيرة واعترافاتهم الصادقة.
6- الموضوع السادس:
ما تضمنه قول الرسول صلى الله عليه وسلم:
وما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله تعالى يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده.
فقد اشتمل هذا التوجيه النبوي على فضيلة ذات ثلاث عناصر:
(أ) الاجتماع في بيت من بيوت الله.
(ب) تلاوة كتاب الله.
(ج) تدارس معاني كتاب الله فيما بينهم.
وهذا الاجتماع يشتمل على عب