موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (8- في الحرص على فعل المعروف وإن قل)

موسوعةالأخلاق الإسلامية-نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية (8- في الحرص على فعل المعروف وإن قل)
300 0

الوصف

                                                     نصوص مشروحة تشتمل على جوانب أخلاقية

                                                     8- في الحرص على فعل المعروف وإن قل

8- في الحرص على فعل المعروف وإن قل

وروى البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة، فمن لم يجد فبكلمة طيبة.

أي فمن لم يجد نصف تمرة أو مقدارها يتصدق به، فليقل كلمة طيبة، فالكلمة الطيبة الخفيفة على اللسان الهينة على النفس قد يكون لها أثر عظيم وثواب جسيم.

ما أعظم حرص الإسلام على فعل المعروف ولو كان المتيسر منه شيئًا قليلًا فهو مساهمة جميلة وكريمة في فعل الخير والبر، ولذلك فإن الله تبارك وتعالى لا يضيع مثقال ذرة، فالعمل سواءٌ أكان قليلًا أو كثيرًا، خيرًا أو شرًا مشمول عند الله بقانون:( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ (8))

وصيانة لكرامة من يفعل المعروف القليل من احتقار الناس لفعله، نهى الرسول صلى الله عليه وسلم بشدة عن احتقار واستصغار المعروف الذي يقدمه المسلم لأخيه المسلم، أو احتقار الموسرين ما يقدمه المعسرون من صدقات قليلة في أبواب الخير العامة.

ومن ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:

يا نساء المسلمات، لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة.

أي لا تحقرن جارة هدية لجارتها، ولو كان قدرها ظلف شاة، وهذا أحقر ما يمكن أن يُهدى في الأحوال النادرة.

واحتقار الصدقات التي يتصدق بها المتطوعون الفقراء من المؤمنين، سمة من سمات المنافقين، وهذه السمة لا تليق بالمسلم في حال من الأحوال، وفي شأن المنافقين قال الله تعالى في سورة (التوبة 9):

(الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (79))

وقد جاء في سبب نزول هذه الآية أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد حث على الصدقة إعدادًا لغزوة تبوك، فجاء عبد الرحمن بن عوف بأربعة آلاف، فقال: يا رسول الله مالي ثمانية آلاف، جئتك بنصفها وأمسكت نصفها، فقال:

بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت

. وجاء أبو عقيل (وهو من فقراء الصحابة) بصاع من تمر، فقال: يا رسول الله، أصبت صاعين من تمر، صاعٌ أقرضه لربي، وصاع لعيالي.

فلمزهما المنافقون، وقالوا: ما الذي أعطى ابن عوف إلا رياء، وقالوا: ألم يكن الله ورسوله غنيين عن صاع هذا؟ مشيرين إليه باستهزاء واحتقار. وقالوا أيضًا: إنما أراد أن يذكر بنفسه، فاحتقروا ما قدم ولمزوه بذلك.

فانتصر الله له، وأثبت أنه كان صادقًا مع الله في بذله، وأنه بذل ما في وسعه، فهو مؤمن متطوع في الصدقة، لا يجد إلا جهده، وأما جزاء الذين سخروا منه فسخرية الله منهم وعذاب أليم.

وروى مسلم عن أبي ذر قال: قال لي النبي صلى الله عليه وسلم:

لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طليق.

دل هذا الحديث على أن لقاء المسلم أخاه بالتحية والبشر والوجه الطليق عمل من أعمال المعروف التي يثاب عليها لأنه يدخل به السرور إلى قلبه.

ومن البر كل عمل أو قول يدخل السرور إلى قلوب الناس، ما لم يكن فيه إثم ومعصية لله تعالى.

والحديث يحث على فعل المعروف صغيرًا كان أو كبيرًا، جليلًا كان أو حقيرًا، فما دام المعروف عطاءً من مالٍ أو جاهٍ أو جسم أو بشرٍ أو قولٍ حسن، فهو بر قد يصادف ذا حاجة، فيقع عنده موقعًا حسنًا، وكثيرًا ما يصد الإنسان عن فعل المعروف احتقاره لما بيده مما يملك في ساعته تقديمه، أو مما طاوعته نفسه أن يقدمه، وحلًا لهذه العقدة الصادة عن فعل أنواع كثيرة من المعروف، الذي قد يكون له أثر كبير عن الموجه له رغم احتقار فاعله له.

وأدنى ما يفعل الإنسان من معروف أن يلقى أخاه بوجه طليق، إذ لا يكلفه شيئًا غير بسط عضلات وجهه بطلاقة وابتسامة محببة للناظرين، ومع ذلك فعلى المسلم أن لا يحتقر هذا العمل الصغير، فقد يكون له أثر عند الناس كبير، أما أثره عند الله فعظيم.

ومن هذا القبيل قول الرسول صلى الله عليه وسلم:

اتقوا النار ولو بشق تمرة.

(رواه البخاري ومسلم عن عدي بن حاتم).