ماذا يحب الله ورسوله-رضي الله عنهم ورضوا عنه (يرضى الله عن المنفقين أموالهم طلبًا لرضاه)

الوصف
رضي الله عنهم ورضوا عنه
يرضى الله عن المنفقين أموالهم طلبًا لرضاه
يرضى الله عن المنفقين أموالهم طلبًا لرضاه
قال الله تعالى: (وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ)
المنفقون أموالهم طلبًا لرضى الله:
المنفقون أموالهم طلبًا لرضى الله هم المؤمنون الذين تزكو صدقاتهم إذ كانت على وفق الشرع ووجهه. ويتثبتون أين يضعون صدقاتهم؛ تثبيتًا من أنفسهم لهم على إنفاق ذلك في طاعة الله – عزَّ وجلَّ؛ وأنفسهم موقنة بوعد الله على تثبيتهم في ذلك، ويقرون بأن الله تعالى يُثبت عليها، أي؛ وتثبيتًا من أنفسهم لثوابها، فهم متحققون أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر الجزاء، بخلاف المنافق الذي لا يحتسب الثواب.
وهؤلاء إذا كانوا من (الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) ؛ إذا كانوا لا يتبعون ما أنفقوا من الخيرات والصدقات منَّا على من أعطوه، فلا يمنون به على أحد ولا يمنون به لا بقول ولا بفعل، ولا يفعلون مع من أحسنوا إليه مكروهًا يحيطون به ما سلف من الإحسان؛ فهؤلاء ثوابهم على الله لا على أحد سواه ولا خوف عليهم فيما يستقبلونه من أهوال يوم القيامة ولا هم يحزنون على ما خلفوه من الأولاد ولا ما فاتهم من الحياة الدنيا وزهرتها، لا يأسفون عليها؛ لأنهم قد صاروا إلى ما هو خير لهم من ذلك.
وإلا فإن الصدقة تبطل بما يتبعها من المنِّ والأذى، فما بقي ثواب الصدقة بخطيئة المنِّ والأذى، تبطل هذه الصدقة كما تبطل صدقة من راءى بها الناس فأظهر لهم أنه يريد وجه الله وإنما قصده مدح الناس له أو شهرته بالصفات الجميلة ليشكر بين الناس أو يقال إنه كريم ونحو ذلك من المقاصد الدنيوية مع قطع نظره عن معاملة الله تعالى وابتغاء مرضاته وجزيل ثوابه، وهذا (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) فهو كالصخر الأملس عليه تراب فأصابه مطر شديد فتركه صلدًا أملسًا يابسًا لا شيء عليه من ذلك التراب بل قد ذهب كله وكذلك أعمال المرائين تذهب وتضمحل عند الله وإن ظهر لهم أعمال فيما يرى الناس كالتراب فهو لا يقدرون على شيء مما كسبوا والله لا يهدي الكافرين.
أما المنفقون أموالهم طلبًا لمرضات الله تعالى وليرضى الله عنه، فإن الله يُرَبِّي صدقاتهم كتربية الفُلُو والفصيل، وتنمو نفقاتهم كما ينمو نبات الجنة بالربوة؛ وهم (كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ) فهم كالبستان بمكان مرتفع من الأرض وتجري فيه الأنهار، وأصاب هذه الجنة مطر شديد فآتت ثمرتها ضعفين بالنسبة إلى غيرها من الجنان، فإن لم يصبها مطر شديد فرذاذ وهو اللين من المطر، فهذه الجنة بهذه الربوة لا تمحل أبدًا؛ لأنها إن لم يصبها وابل فظل وأيًا ما كان فهو كفايتها، وكذلك عمل المؤمن لا يبور أبدًا بل يتقبله الله ويكثره وينميه كل عامل بحسبه، والله بما تعملون بصير لا يخفى عليه من أعمال عباده شيء. وقد قال الله تعالى: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب – ولا يقبل الله إلَّا الطيب – فإن الله يتقبلها بيمينه، ثم يربِّيها لصاحبه كما يربِّي أحدكم فَلُوَّه، حتى تكون مثل الجبل".
(فلوََّه) هو المهر؛ لأنه يفلى، أي؛ يفطم، وقيل هو كل فطيم من ذات حافر.
وضرب بالمهر المثل؛ لأنه يزيد زيادة بينة؛ ولأن الصدقة نتاج العمل وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيمًا، فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم – لا سيما الصدقة – فإن العبد إذا تصدق صدقة ولو بقيمة تمرة من كسب طيب فإن الله يتقبلها بيمينه ويربِّيها لصاحبها حتى تصبح مثل الجبل.